للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ بِالْكَرَاهِيَةِ وَعُبُوسَ الْوَجْهِ وَغَلِيظَ الْكَلَامِ لَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ.

ثُمَّ قَالَ: " فَأَيُّهُمَا مَطَلَ فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ".

وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى أَدَاءِ الْحَقِّ ظَالِمٌ بِتَأْخِيرِهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ " ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ مَا رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " أيها الناس إن النساء عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله استحللتم فروجن بِكَلِمَةِ اللَّهِ فَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقٌّ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَمِنْ حَقِّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا وَلَا يَعْصِينَكُمْ فِي مَعْرُوفٍ، فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " فَكَانَ الْقَسْمُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَهُنَّ.

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ".

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " فالرجل راع لأهله وهو مسؤول عَنْهُمْ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ " يَعْنِي قَلْبَهُ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا مَرِضَ طِيفَ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ مَحْمُولًا فَلَمَّا ثَقُلَ أَشْفَقْنَ عَلَيْهِ فَحَلَلْنَهُ مِنَ الْقَسْمِ ليقم عند عائشة رضي الله تعالى عنه لِمَيْلِهِ إِلَيْهَا فَتُوُفِّيَ عِنْدَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَفِي يَوْمِي وَلَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَدَلَّ هَذَا عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ وتغليظ حكمه.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْقَسْمِ فَلِوُجُوبِهِ شَرْطَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَأَكْثَرُ لِيَصِحَّ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِالْقَسْمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا قَسْمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَحْصَنُ لَهَا، وَأَغَضُّ لِطَرْفِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يعتزلا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الْمُقَامَ عِنْدَ إِحْدَاهُمَا فَيَلْزَمُهُ بِذَلِكَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْأُخْرَى مِثْلَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا إِنِ اعْتَزَلَهُمَا سَقَطَ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِزَالِ لَهُمَا كَمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ لَهُمَا فَلَمْ يَجُزِ الْمَيْلُ إِلَى إحداهما، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>