للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال الشافعي: " أو كَانَتْ مُشْرِكَةً الْتَعَنَتْ فِي الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ تُعَظِّمُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا تَرَافَعَ إِلَى حُكَّامِنَا زَوْجَانِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي لِعَانٍ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعَظَّمَةِ عِنْدَهُمَا، وَلَمْ يُلَاعِنْ فِي مَسَاجِدِنَا وَإِنْ كَانَتْ أَعْظَمَ حُرْمَةً، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِمَوَاضِعِ اللِّعَانِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُتَلَاعِنَانِ مِنْ تَعْظِيمِهِمَا وَعِظَمِ الْمَآثِمِ فِي هَتْكِ حُرْمَتِهَا، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يَرَوْنَ لِتَعْظِيمِ مَسَاجِدِنَا مَا يَرَوْنَهُ مِنْ تَعْظِيمِ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ فَلِذَلِكَ خَصَّهُمْ بِالِالْتِعَانِ فِيهَا فَإِنْ كَانَا يَهُودِيَّيْنِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مَوَاضِعِهِمْ وَإِنْ كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا فِي بِيَعِهِمْ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مَوَاضِعِهِمْ، وَإِنْ كَانَا مَجُوسِيَّيْنِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا فِي بَيْتِ نِيرَانِهِمْ، وَجَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْضُرَهَا فِي لِعَانِهِمْ، لِأَنَّ حُضُورَهَا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ، وَإِنَّمَا إِظْهَارُ الْمَعَاصِي فِيهَا مَحْظُورٌ، فَإِذَا لَمْ يُشَاهِدْهَا فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ جَازَ الدُّخُولُ إِلَيْهَا.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا غلظ لعان الذميين بما يعظمون مِنَ الْأَمْكِنَةِ كَانَ تَغْلِيظُهُ بِمَا يُعَظِّمُونَ مِنَ الْأَيْمَانِ مُعْتَبَرًا بِخُلُوِّهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، فَمَا خَلي مِنْ مَعْصِيَةٍ جَازَ تَغْلِيظُ أَيْمَانِهِمْ بِهِ كَقَوْلِهِ فِي لِعَانِ الْيَهُودِيَّيْنِ: - أَشْهَدُ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَفِي لِعَانِ النَّصْرَانِيَّيْنِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، فَقَدْ رَوَى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أراد إحلاف اليهود عن إِنْكَارِهِمْ آيَةَ الرَّجْمِ قَالَ لَهُمْ: " بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى " فَأَمَّا مَا فِيهِ مِنْ أَيْمَانِهِمْ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَغْلِيظُ لِعَانِهِمْ بِهِ كَقَوْلِ الْيَهُودِ: فِي عُزَيْرٍ إِنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، وَقَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ، أَوْ كَيَمِينِ غَيْرِهِمْ بِأَصْنَامِهِمْ وَأَوْثَانِهِمْ، وَهَكَذَا لَا يَجُوزُ إِحْلَافُ الْيَهُودِ بِمُوسَى، وَلَا إِحْلَافُ النَّصَارَى بِعِيسَى، كَمَا لَا يَجُوزُ إِحْلَافُ الْمُسْلِمِينَ بِمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْأَيْمَانَ بِالْمَخْلُوقِينَ مَحْظُورٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ " ز

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وإن شاءت المشركة أن تحصره في المساجد كلها حضرته إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقول الله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا يَكُونُ فِي لِعَانِ الْكِتَابِيَّةِ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ. فَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلِعَانُهَا فِيمَا تُعَظِّمُهُ مِنْ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ أَوْلَى مِنْ لِعَانِهَا فِي مَسَاجِدِنَا، فَإِنْ وَافَقَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْتِعَانِهِمَا فِي مَسَاجِدِنَا لَمْ يُمْنَعْ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُجَوِّزُ إِدْخَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ إِدْخَالَهُمْ إِلَى جَمِيعِهَا وَإِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَالِكٌ يَمْنَعُ مِنْ إِدْخَالِهِمْ إِلَى جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: ٢٨] . فنصه على أبي حنيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>