للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

فَأَمَّا الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ إِنَّ عِلَّةَ الرِّبَا جِنْسٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَاحْتَجَّ بِأَنَّ الرِّبَا تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ حَثًّا عَلَى الْمُوَاسَاةِ بِالتَّمَاثُلِ، وَأَمْوَالُ الْمُوَاسَاةِ مَا ثَبَتَ فِيهَا الزَّكَاةُ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ هِيَ الْأَمْوَالَ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الرِّبَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ: ابْتِيَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ، وَالْإِبِلُ جِنْسٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأُثْبِتَ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَهُوَ جِنْسٌ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ فَسَادُ مَذْهَبِهِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّ عِلَّةَ الرِّبَا أَنَّهُ مُقْتَاتٌ مُدَّخَرُ جِنْسٍ، فَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ اعْتِلَالٌ يُشَابِهُ الْأَصْلَ بِأَوْصَافٍ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ شَبَهًا بِالْأَصْلِ كَانَ أَوْلَى. وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ عَدَمُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ بِقُوتٍ وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِثُبُوتِ الرِّبَا فِيهِ فَبَطَلَ اعْتِبَارُ الْقُوتِ، وَالرُّطَبُ فِيهِ الرِّبَا وَلَيْسَ بِمُدَّخَرٍ وَقَدْ وَافَقَ أَنَّ فِيهِ الرِّبَا. فَإِنْ قَالَ إِنَّ الرُّطَبَ يَؤُولُ إِلَى حَالِ الِادِّخَارِ فِي ثَانِي حَالٍ قِيلَ. فَالرُّطَبُ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَمْرًا لَيْسَ يَؤُولُ إِلَى حَالِ الِادِّخَارِ وَفِيهِ الرِّبَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُ الرُّطَبَ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُدَّخَرٍ فِي الْحَالِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُفْضِيَ إِلَى حَالَةِ الِادِّخَارِ كَاللَّحْمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُدَّخَرٍ فِي الْحَالِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُدَّخَرَ فِي ثَانِي حَالٍ فَبَطَلَ اعْتِبَارُ الِادِّخَارِ فَصَارَ كِلَا الْوَصْفَيْنِ بَاطِلًا. فَإِنْ عَدَلَ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ وَعَلَّلَ بِمَا كَانَ يُعَلِّلُ بِهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قُوتٌ أَوْ مَا يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ قِيلَ هَذَا الْقَوْلُ أَفْسَدُ مِنَ الْأَوَّلِ. لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَصحَّ لِأَنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ بِقُوتٍ وَلَيْسَ التَّمْرُ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْقُوتَ فِي الثَّلَاثَةِ عِلَّةٌ وَمَا يَصْلُحُ الْقُوتُ فِي الْمِلْحِ عِلَّةٌ قِيلَ: قَدْ فَرَّقْتَ الْأَصْلَ وَعِلَّتَهُ بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَقَدِ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْأَصْلِ بِعِلَّتَيْنِ لَجَازَ إِسْلَافُ الْمِلْحِ فِي الثَّلَاثَةِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْعِلَّةِ كَمَا يَجُوزُ إِسْلَافُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْأَرْبَعَةِ لِاخْتِلَافِ الْعِلَّةِ وَقَدْ جَاءَتِ السَّنَةُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ هَذَا. ثُمَّ يُقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِقَوْلِكَ وَمَا يَصْلُحُ الْقُوتُ جَمِيعَ الْأَقْوَاتِ فَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ قُوتَانِ وَلَا يَصْلُحَانِ بِالْمِلْحِ، وَإِنْ أَرَدْتَ بِهِ بَعْضَ الْأَقْوَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الرِّبَا فِي النَّارِ وَالْحَطَبِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ بِهِ بَعْضُ الْأَقْوَاتِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّعْلِيلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْمَذْهَبُ السَّادِسُ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة إِنَّهُ مَكِيلُ جِنْسٍ. فَالِاحْتِجَاجُ لَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِثْبَاتُ الْكَيْلِ عِلَّةٌ.

وَالثَّانِي: إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ الطعم علة.

<<  <  ج: ص:  >  >>