للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضه دماً أسود ثخين وبعضه أحمر رقيق، فَيَكُونُ السَّوَادُ مِنْهُ نِفَاسًا، وَالْحُمْرَةُ اسْتِحَاضَةً، وَإِنْ كان لها عادة بلا تَمْيِيزٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الدَّمِ لَوْنًا وَاحِدًا وَلَهَا عَادَةٌ سَالِفَةٌ فِي نِفَاسٍ مُسْتَمِرٍّ فَتُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا فِي نِفَاسِهَا، وَيَكُونُ مَا تَجَاوَزَهَا اسْتِحَاضَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً لَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ وَلَا عَادَةٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا تُرَدُّ إِلَيْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ فَعَلَى هَذَا تُعِيدُ جَمِيعَ مَا تَرَكَتْ مِنَ الصَّلَوَاتِ سَوَاءٌ حَدَدْنَا أَوَّلَهُ بِسَاعَةٍ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ السَّاعَةَ حَدٌّ لَا يُصَادِفُ وَقْتَ صَلَاةٍ مُسْتَوْعِبٍ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي تُرَدُّ فِيهِ الْحَائِضُ إِلَى أَقَلِّ حَيْضِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَوْسَطِ النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَتُعِيدُ صَلَاةَ مَا زَادَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي تُرَدُّ فِيهِ الْحَائِضُ إِلَى أَوْسَطِ حَيْضِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ سِتِّينَ يَوْمًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ أَنَّ النِّفَاسَ يَقِينٌ فَجَازَ أَنْ تُرَدَّ فِيهِ إِلَى أَكْثَرِهِ، وَلَيْسَ الْحَيْضُ بِيَقِينٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُرَدَّ فِيهِ إِلَى أَكْثَرِهِ.

(فَصْلٌ)

: وَإِنْ كَانَ لِهَذِهِ النُّفَسَاءِ الَّتِي قَدْ تَجَاوَزَ دَمُهَا سِتِّينَ يَوْمًا حَيْضٌ مُعْتَادٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِلَ دَمُ الْحَيْضِ بِدَمِ النِّفَاسِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْحَيْضِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِلَ، لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعٌ مِنَ الْحَيْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِلَ حَيْضٌ بِحَيْضٍ، فَكَذَلِكَ نِفَاسٌ بِحَيْضٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ رَدِّهَا إِلَى التَّمْيِيزِ ثُمَّ إِلَى الْعَادَةِ ثُمَّ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِلَ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ مُخَالِفٌ لِلْحَيْضِ فِي أَقَلِّهِ وَأَكْثَرِهِ، فَجَازَ أَنْ يَتَّصِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ فَيُنْظَرُ فِي قَدْرِ الدَّمِ الزَّائِدِ على الستين، فإن لم يتجاوز خمسة عشرة يَوْمًا فَأَمْرُهَا غَيْرُ مُشْكِلٍ، وَتَكُونُ السِّتُّونَ يَوْمًا نِفَاسًا، وَمَا زَادَ عَلَى السِّتِّينَ حَيْضٌ، فَإِنْ كَانَ الدَّمُ سَبْعِينَ يَوْمًا فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ؛ لأنك تَسْتَكْمِلُ النِّفَاسَ سِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَقِينٌ، وَتَجْعَلُ الزِّيَادَةَ بَعْدَهَا حَيْضًا وَإِنْ بَلَغَ دَمُهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْمًا، فَقَدِ اسْتُكْمِلَ أَكْثَرُ النِّفَاسِ، وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ، فَأَمَّا إِذَا تَجَاوَزَ دَمُهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْمًا، فَقَدْ صَارَتْ حِينَئِذٍ مُسْتَحَاضَةً، دَخَلَتِ اسْتِحَاضَتُهَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ جَمِيعًا، وَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا تَمْيِيزٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إِلَى تَمْيِيزِهَا وَلَا يَخْلُو حَالُ مَا مُيِّزَ بِهِ مِنْ سَوَادٍ مِنْ أَنْ يَتَجَاوَزَ السِّتِّينَ أَوْ لَا يَتَجَاوَزُهَا، فَإِنْ تَجَاوَزَ السِّتِّينَ، وَلَمْ يزد على الخمسة والسبعين، فقد استقرها نِفَاسُهَا وَحَيْضُهَا بِالتَّمْيِيزِ، فَيَكُونُ نِفَاسُهَا سِتِّينَ يَوْمًا، وَالْحَيْضُ مَا زَادَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ دَمُهَا سِتِّينَ يَوْمًا فَقَدْ حَصَلَ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ النِّفَاسُ وَحْدَهُ، فَيَكُونُ نِفَاسُهَا سِتِّينَ يَوْمًا وَتُرَدُّ إلى عادتها في الحيض، فإن كانت عشراً صَارَ مَا تَتْرُكُهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>