وَالثَّانِي: لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، وَهَذَا لَا يُقْتَلُ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فِي الْحَالِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الإسلام يعلو ولا يعلى) .
ولأنهم غير ما مُؤْمِنِينَ عَلَى نُفُوسِهِمْ وَحَرِيمِهِمْ لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ دِينًا مِنْ إِبَاحَةِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمُ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى حَظْرَهَا وَأَمَرَ بِالْمَنْعِ مِنْهَا.
فَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِمَنْ يَرَى قِتَالَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ فَقَدْ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَفِّ عَنْهُمْ إِذَا انْهَزَمُوا.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَازَ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِمَنْ يُخَالِفُ رَأْيَهُ فِيهِ، وَيَعْمَلُ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَفَ اجْتِهَادَ مُسْتَخْلِفِهِ، فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ حَنَفِيًّا، وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ شَافِعِيًّا.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: إنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ مُدْبِرِينَ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَالْمُعَيَّنُ فِيهِ مَأْمُورٌ مَمْنُوعٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَالْمُسْتَخْلَفُ عَلَى الْحُكْمِ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ النَّظَرُ، فَسَاغَ لَهُ الِاجْتِهَادُ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ مَنْعُ تَحْرِيمٍ وَحَظْرٍ.
وَالثَّانِي: إنَّهُ مَنْعُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ.
فَإِنْ دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ لِعَجْزِ أَهْلِ الْعَدْلِ عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ جَازَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَجِدَ عَوْنًا غَيْرَهُمْ، فَإِنْ وَجَدَ لَمْ يَجُزْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى رَدِّهِمْ إِنْ خَالَفُوا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِمْ لَمْ يَجُزْ.