للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُثْبَتَ الْبَاقِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْمَنْفِيُّ وَالْقَفِيزُ دَاخِلٌ فِي الْقَفِيزَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ إِثْبَاتُ الْقَفِيزَيْنِ نَفْيًا لِلْقَفِيزِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَفْهُومَ اللِّسَانِ فِي اللُّغَةِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا لَا بَلْ رَجُلَيْنِ، أَنَّهُ مُخْبِرٌ عَنْ رُؤْيَةِ رَجُلَيْنِ بِكَلَامِهِ كُلِّهِ غَيْرُ رَاجِعٍ بِآخِرِهِ عَنْ أَوَّلِهِ.

وَفِي هَذَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لَا نَفْيٌ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ لُغَةً وَقِيَاسًا.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا خَالَفَ بَيْنَ جِنْسَيْنِ فَقَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ لَا بَلْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فَعَلَيْهِ الْأَمْرَانِ دِينَارٌ وَقَفِيزٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُدْخِلِ الْأَوَّلَ فِي الثَّانِي لِاخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ صَارَ رُجُوعًا وَلَمْ يَكُنِ اسْتِدْرَاكًا، وَالْمُقِرُّ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ بِغَيْرِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ رُجُوعُهُ عَنِ الْأَوَّلِ وَلَزِمَهُ اعْتِرَافُهُ بِالثَّانِي كَمَنْ طَلَّقَ إِحْدَى نِسَائِهِ فَأَخَذَ بِالْبَيَانِ فَقَالَ: هِيَ حَفْصَةُ لَا بَلْ هِيَ عَمْرَةُ طُلِّقَتَا جَمِيعًا.

فَصْلٌ

: وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِرْهَمٌ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِدُخُولِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنِ اسْتِدْرَاكًا وَكَانَ رُجُوعًا فَلَزِمَاهُ مَعًا والله أعلم بالصواب.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو قال لَهُ عَلَيَّ دينارٌ لَا بَلْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ كان مقرًّا بهما ثابتاً على القفيز راجعاً عن الدينار فلا يقبل رجوعه وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دينارٌ فقَفِيزُ حِنْطَةٍ لزمه الدينار ولم تلزمه الحنطة ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ فَقَفِيزُ حِنْطَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا دِينَارٌ لِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَفِيزَ حِنْطَةٍ خَيرٌ مِنْهُ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ فَدِرْهَمٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا دِينَارٌ لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يُرِيدَ: فَدِرْهَمٌ أَقَلُّ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ: دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، فَكَذَا فِي الْجِنْسَيْنِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ فَعَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا عَدَدٌ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْعَشَرَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَصْحَابُنَا، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ إِلَى عَشْرَةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ زفر عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَدٌّ لِلِابْتِدَاءِ وَالْعَاشِرَ حَدٌّ لِلِانْتِهَاءِ فَلَمْ يَدْخُلَا لخروج من المحدود.

<<  <  ج: ص:  >  >>