للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْخَبَرُ الْأَوَّلُ وَهُوَ " وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ " فَهُوَ مِنْ مَنَاكِيرِ الْأَخْبَارِ وَمَا رَوَاهُ إِلَّا مَضْعُوفٌ غَيْرُ مَقْبُولِ الْحَدِيثِ، وَنَصُّ الْقُرْآنِ يَمْنَعُ مِنْهُ. وَلَوْ سَلِمَتِ الرِّوَايَةُ لَكَانَ لِاسْتِعْمَالِهِ وُجُوهًا:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ نَسَبًا.

وَالثَّانِي: شَرُّ الثَّلَاثَةِ إِذَا كَانَ زَانِيًا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَأُشِيرَ إِلَيْهِ أَنَّهُ شرهم، فكان ذلك للزنى تَعْرِيفًا لَا تَعْلِيلًا.

وَالرَّابِعُ: مَا ذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ كَانَ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيَقْدَحُ فِيهِ بِالْعَظَائِمِ فَذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يَقُولُهُ وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ وَلَدُ زَنْيَةٍ. فقال عليه السلام: " ولد الزنى شَرُّ الثَّلَاثَةِ " يَعْنِي بِهِ أَبَا عَزَّةَ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ الثَّانِي: فَهُوَ أَوْهَى مِنَ الْأَوَّلِ، وَأَضْعَفُ وَأَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الِاحْتِمَالِ وَجْهٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبِطَ طَاعَتَهُ مَعْصِيَةُ غيره، والكفر أعظم من الزنى، وَلَا يُحْبَطُ عَمَلُ الْمُؤْمِنِ بِكُفْرِ أَبَوَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْبِطَ عَمَلَهُ بِزِنَى وَالِدَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

( [الْقَوْلُ فِي شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ] )

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْمَحْدُودُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا أَرَادَ بِهِ مَالِكًا، فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَنْ حُدَّ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ، وَقُبِلَتْ فِي غَيْرِهِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الزِّنَا إِذَا شَهِدَ بِالزِّنَا، وَلَا الْمَحْدُودِ فِي الْخَمْرِ إِذَا شَهِدَ فِي الْخَمْرِ، وَلَا الْمَقْطُوعِ فِي السَّرِقَةِ إِذَا شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ.

اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهَا اسْتِرَابَةٌ يَقْتَضِي الدَّفْعَ عَنِ الشَّهَادَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] .

وَبِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عَهْدِهِ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ.

وَتَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَدَّ السَّارِقُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ سُرَّاقًا وَوَدَّ الزَّانِي أَنْ يَكُونَ النَّاسُ زُنَاةً، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِيَنْفِيَ الْمَعَرَّةَ عَنْ نَفْسِهِ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>