للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِاسْتِمْتَاعِهِ بِرَائِحَتِهِ، وَإِنَّ عَادَةَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ جَارِيَةٌ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا رَائِحَةٌ مُجَاوِرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، فَصَارَ كشم الرائحة من دكان العطار.

[فصل]

: قال الشافعي: إذا وطأ الطيب بقدمه فعلق بها، فعليه الفدية؛ لأنها صار مستعملاً للطيب في بدنه. فلو وطأ الطِّيبَ بِنَعْلِهِ عَامِدًا، حَتَّى عَلِقَ بِهَا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا عَلِقَ الطِّيبُ بِنَعْلِهِ صَارَ حَامِلًا لِلطِّيبِ، وَالْمُحْرِمُ إِذَا حَمَلَ الطِّيبَ لَمْ يَفْتَدِ.

قِيلِ: إِنَّمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، إِذَا عَلِقَ الطِّيبُ بِنَعْلِهِ لِأَنَّهُ لَابِسٌ لَهَا، فَإِذَا عَلِقَ بِهَا الطِّيبُ، صَارَ لَابِسًا لِمُطَيَّبٍ، فَلَزِمَهُ الْفِدْيَةُ، كَمَا لَوْ لَبِسَ قَمِيصًا مُطَيَّبًا، وَإِذَا كَانَ حَامِلًا لِلطِّيبِ، لَمْ يَكُنْ لَابِسًا لطيب فلم يفتد.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَجْلِسُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُجْمَرُ وَإِنْ مَسَّهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا رَطْبَةٌ فَعَلِقَ بِيَدِهِ طِيبٌ غَسَلَهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ افْتَدَى ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا جُلُوسُهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُجْمَرُ فَمُبَاحٌ، كَجُلُوسِهِ عِنْدَ الْعَطَّارِ، وَحُضُورِهِ بَيْعَ الطِّيبِ، فَأَمَّا إِذَا مَسَّ خَلُوقَ الْكَعْبَةِ؛ وَكَانَ رَطْبًا، أَوْ مَسَّ طِيبًا، رَطْبًا فَعَلِقَ بِيَدِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الطِّيبَ رَطْبٌ أَوْ لا؛ لأن المتطيب ناسياً لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَيُبَادِرُ إِلَى إِزَالَةِ الطِّيبِ مِنْ يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إِزَالَتِهِ، افْتَدَى حِينَئِذٍ لِاسْتِدَامَتِهِ لَا لِمَسِّهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الطِّيبَ رَطْبٌ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الطِّيبَ يَابِسٌ، فَفِي وجوب الفدية عَلَيْهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إِلَيْهِ، وَتَارِكٌ لِلتَّحَرُّزِ بِمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ، وَلَا إِلَى مَا لَا يَجُوزُ لَهُ لِأَنَّ مَسَّ الطِّيبِ الْيَابِسِ جَائِزٌ لَهُ فَصَارَ كَالنَّاسِي والله أعلم.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ حَلَقَ وَتَطَيَّبَ عَامِدًا، فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>