للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَامٍ مَرَّةً كَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْغُزَاةِ سَهْمَ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الزَّكَاةِ، وَفَرْضُهَا يَجِبُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً فَكَذَلِكَ الجهاد.

[(مسألة)]

: قال الشافعي:: وَيُغْزِي أَهْلُ الْفَيْءِ كُلَّ قَوْمٍ إِلَى مَنْ يَلِيهِمْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يُوجِبُهُ الِاقْتِدَاءُ بِالسَّلَفِ وَتَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَصَّرَ الْبَصْرَةَ وَأَسْكَنَهَا أَهْلَ الْفَيْءِ لِيُقَاتِلُوا مَنْ يَلِيهِمْ، وَمَصَّرَ الْكُوفَةَ وَأَسْكَنَهَا أَهْلَ الْفَيْءِ لِقِتَالِ مَنْ يَلِيهِمْ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ أَخْبَرُ بِقِتَالِ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَلِأَنَّهُمْ عَلَى انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ أَقْدَرُ؛ وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ أَسْهَلُ والمؤونة أَقَلُّ وَهَكَذَا يُكَلِّفُ أَهْلَ الْبَحْرِ الْقِتَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُ بِهِ وَأَعْرَفُ، وَلَا يُكَلِّفُهُمُ الْقِتَالَ فِي الْبَرِّ فَيَضْعُفُوا عَنْهُ وَيُكَلِّفُ أَهْلَ الْبَرِّ الْقِتَالَ فِي الْبَرِّ لِأَنَّهُمْ بِهِ أَعْرَفُ وَلَا يُكَلِّفُهُمُ الْقِتَالَ فِي الْبَحْرِ فَيَضْعُفُوا عَنْهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَغْزَى فِي الْبَحْرِ جَيْشًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعاصِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ سَأَلَ عَمْرَو بْنَ الْعاصِ عَنْهُمْ فَقَالَ لَهُ: " دُودٌ عَلَى عُودٍ بَيْنَ غَرَقٍ أَوْ فَرَقٍ فَآلَى أَنْ لَا يُغْزِيَ فِي الْبَحْرِ أَحَدًا مِنْهُمْ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي غَزْوِ الْبَحْرِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي لَا أَحْمِلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْوَادٍ نَجَرَهَا النَّجَّارُ وجَلْفَظَهَا الْجِلْفَاظُ، يَحْمِلُهُمْ عَدُوُّهُمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ، والْجِلْفَاظُ: الَّذِي يُشَيِّدُ أَعْوَادَ السُّفُنِ.

وَفِي قَوْلِهِ: يَحْمِلُهُمْ عَدُوُّهُمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَلَّاحِينَ كَانُوا إِذْ ذَاكَ كُفَّارًا يَحْمِلُونَهُمْ إِلَى الْكُفَّارِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَحْرَ عَدُوُّ رَاكِبِهِ يَحْمِلُهُمْ إِلَى أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْكَفَّارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>