فَيُوقَفُ نَسَبُهُ عَلَى الْبَيَانِ، بِالْقَافَةِ أَوِ الِانْتِسَابِ، فَإِنْ قُتِلَ بَعْدَ الْبَيَانِ أُقِيدَ بِهِ غَيْرُ أَبِيهِ، وَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ بَانَ مِنْ بَعْدُ أَنَّهُ أَبٌ أَوْ غَيْرُ أَبٍ؛ لِثُبُوتِ الشُّبْهَةِ حَالَ الْقَتْلِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَتَرَكَتْ وَلَدًا فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ القَاتِلِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ كَانَ مِنَ القَاتِلِ سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ وَارِثَهَا ابْنُ قَاتِلِهَا، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ لِلِابْنِ عَلَى أَبِيهِ قَوَدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ بِإِرْثِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ قَذَفَهَا قَبْلَ الْقَتْلِ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ إِذَا وَرِثَهَا ابْنُهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَذْفِ نَفْسِهِ؛ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِإِرْثِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْمَقْتُولَةِ مِنْ غَيْرِ الْقَاتِلِ ثَبَتَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ وَحَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ لَهُ بَيْنَهُمَا؛ وَلَا بَعْضِيَّةَ.
وَلَوْ تَرَكَتِ الْمَقْتُولَةُ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنَ القَاتِلِ وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَرِثَهَا الْوَلَدَانِ مَعًا، وَسَقَطَ عَنِ الزَّوْجِ الْقَوَدُ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ، لِأَنَّ الْقَوَدَ فِي حَقِّ ابْنِهِ قَدْ سَقَطَ فَسَقَطَ فِي حَقِّ الْآخَرِ مِنْهُمَا، كما لو عفى أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ عَنِ الْقَاتِلِ سَقَطَ الْقَوَدُ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ.
وَحَدُّ الْقَذْفِ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ عَفْوَ أَحَدِ الْوَارِثِينَ عَنْهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْآخَرِ منه، ويجوز لأحدهما أن يستوفه فَافْتَرَقَا فِيهِ وَيَتَّصِلُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ فَرُوعٌ قَدَّمْنَاهَا في كتاب الفرائض.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ".
قال الماوردي: وإذا مَضَى الْكَلَامُ فِي الْإِيقَادِ مِنَ الأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَادَ مِنَ الأَنْقَصِ بِالْأَكْمَلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ الْوَلَدُ بالولد، وإن لم يجر أَنْ يُقْتَلَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَنْقَصِ بِالْأَكْمَلِ اقْتِصَارٌ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ، وَأَخْذَ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ اسْتِفْضَالٌ عَلَى الْحَقِّ فَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ، وَمَنَعَ مِنَ الاسْتِفْضَالِ عَلَيْهِ؛ فَلَوْ بَذَلَ الْأَكْمَلُ نَفْسَهُ بِالْأَنْقَصِ فَبَذَلَ الْحُرُّ نَفْسَهُ بِقَتْلِ الْعَبْدِ، وَبَذَلَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ بِقَتْلِ الْكَافِرِ، وَبَذَلَ الْوَالِدُ نَفْسَهُ بِقَتْلِ الْوَلَدِ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَادَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ إِذْ لَمْ يَجِبْ لَمْ يُسْتَبَحْ بِالْبَذْلِ؛ كَمَا لَوْ بَذَلَ نَفْسَهُ أَنْ يُقْتَلَ بِغَيْرِ قَوَدٍ لِقَوْلِ اللَّهِ: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: ٢٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute