يُسْتَعْمَلْ فِي تَطْهِيرٍ فَيَسْلُبُهُ الِاسْتِعْمَالُ حُكْمَ التَّطْهِيرِ فتشابه مَا اسْتُعْمِلَ فِي غَسْلِ ثَوْبٍ أَوْ إِنَاءٍ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ مَرَّةً ثُمَّ جَمَعَ مَاءَ الْمَرَّةِ فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَانِيَةً وَجَمَعَ مَاءَ الثَّانِيَةِ فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ تَوَضَّأْ ثَالِثَةً وَجَمَعَ مَاءَ الثَّالِثَةِ فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ رَابِعَةً وَجَمَعَ مَاءَ الرَّابِعَةِ فِي الإناء، كان ماء الأولة مستعملاً؛ لأن ماء الأولة مستعملاً لارتفاع الحدث بها، وماء الرابعة مطهراً؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَارِدٌ بِكَرَاهَتِهَا، وَفِي مَاءِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ندبٌ فلو أراق ماء الأولة على ماء الرابعة، فإن كان ماء الأولة أَكْثَرَ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا، فَإِنْ كَانَ مَاءُ الرَّابِعَةِ أَكْثَرَ صَارَ الْكُلُّ مُطَهِّرًا، فَأَمَّا النَّجَاسَةُ إِذَا غَسَلَهَا مِرَارًا فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
أحدها: أن تزول النجاسة بالمرة الأولة فَيَكُونُ مَاءُ الْأُولَى مُسْتَعْمَلًا.
وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَجْهَانِ: لِأَنَّهَا نَدْبٌ وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مُطَهِّرٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَزُولَ النَّجَاسَةُ بِمَاءِ المرة الثانية فيكون ماء الأولة نَجِسًا، وَمَاءُ الثَّانِيَةِ مُسْتَعْمَلًا، وَفِي مَاءِ الثَّالِثَةِ وَجْهَانِ، وَمَا بَعْدَهَا مُطَهِّرٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَزُولَ النَّجَاسَةُ إِلَّا بِمَاءِ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فيكون ماء الأولة وَالثَّانِيَةِ نَجِسًا، وَمَاءُ الثَّالِثَةِ مُسْتَعْمَلًا، وَمَا بَعْدَهَا مُطَهِّرٌ فَأَمَّا الْجُنُبُ إِذَا اغْتَسَلَ مَرَّةً فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ ثَانِيَةً فِي مَاءٍ قَلِيلٍ كَانَ الْمَاءُ الْأَوَّلُ مُسْتَعْمَلًا، وَالثَّانِي مُطَهِّرًا؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الثَّلَاثِ مَأْثُورٌ فِي الْوُضُوءِ وَالنَّجَاسَةِ، وَغَيْرُ مَأْثُورٍ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[(مسألة: الكلب إذا ولغ في إناء)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَقَدْ نَجِسَ الْمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْرِقَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، الْكَلْبُ نَجِسٌ، فَإِذَا وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ صَارَ وَمَا فِيهِ نَجِسًا، وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ: الْكَلْبُ طَاهِرٌ فَإِذَا وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ كَانَ وَمَا فِيهِ طَاهِرًا، وَوَجَبَ غَسْلُهُ تَعَبُّدًا، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ والْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الِاصْطِيَادَ بِهِ فَقَالَ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ) {المائدة: ٤) وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَأَفْسَدَ مَا صَادَهُ بِفَمِهِ، وَلَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ، وَبِرِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَنِ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ إِنَّ الْكِلَابَ وَالسِّبَاعَ تَلِغُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَهَا مَا فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شرابٌ وطهورٌ " فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَهَارَةِ الْكَلْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّبَاعِ فَلَمَّا كَانَ السَّبُعُ طَاهِرًا كَانَ مَا جُمِعَ إِلَيْهِ فِي الْحُكْمِ طَاهِرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute