(فَصْلٌ)
: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: أَنَا ابْنُكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُصَدِّقَهُ، فَيَثْبُتَ نَسَبُهُ بِتَصْدِيقِهِ، وَيَكُونُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بَيْنَهُمَا بِالْإِقْرَارِ، وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ، فَلَوْ تَنَاكَرَا النَّسَبَ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ لَمْ يَنْتَفِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُنْكِرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمُدَّعِي فَلَوْ عَادَ الْمُنْكِرُ فَاعْتَرَفَ بِالنَّسَبِ بَعْدَ إِنْكَارِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ، وَلَوْ عَادَ الْمُدَّعِي فَأَنْكَرَ بَعْدَ إِقْرَارِهِ لَمْ يَنْتَفِ النَّسَبُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ مَقْبُولٌ وَالْإِنْكَارُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مَرْدُودٌ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُمْسِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ حَالَ إِمْسَاكِهِ بِالرِّضَا لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ، وَإِنْ شَهِدَتْ حَالُ إِمْسَاكِهِ بِالرِّضَا، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِي: يَثْبُتُ النَّسَبُ، لِأَنَّ الرِّضَا مِنْ شَوَاهِدِ الِاعْتِرَافِ، وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنِ اعْتِرَافًا بِالنَّسَبِ وَإِنْ تَكَرَّرَ وَزَالَ عَنْهُ شَوَاهِدُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ صَارَ اعْتِرَافًا بِالنَّسَبِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَنْسَابِ بِمِثْلِهِ تَثْبُتُ وَهَكَذَا لَوِ ابْتَدَأَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ لِلْآخَرِ: أَنَا أَبُوكَ اعْتُبِرَتْ حَالُ الِابْنِ بِمِثْلِ مَا اعْتُبِرَتْ بِهِ حَالُ الْأَبِ، وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِمَا سَوَاءً.
: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَذَا وَكَّلَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَذَا، فَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالْوَكَالَةِ مُوجِبَةً لِلشَّهَادَةِ بِنَسَبِهِمَا، فذهب مَالِك إِلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوِكَالَةِ دُونَ النَّسَبِ اعْتِبَارًا بِالْمَقْصُودِ فِيهِمَا، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَكُونُ شَهَادَةٌ بِالْوِكَالَةِ وَبِالنَّسَبِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا الْوِكَالَةَ دُونَ النَّسَبِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ إِثْبَاتَ مَا تَضَمَّنَهَا مِنْ مَقْصُودٍ وَغَيْرِ مَقْصُودٍ، كَمَنْ شَهِدَ بِثَمَنٍ فِي مَبِيعٍ وَصَدَاقٍ فِي نِكَاحٍ كَانَتْ شَهَادَةٌ بِالْمَبِيعِ وَالنِّكَاحِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا الثَّمَنَ وَالصَّدَاقَ.
: وَأَمَّا الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ فَيَثْبُتُ بِسَمَاعِ الْخَبَرِ الشَّائِعِ الْمُتَظَاهَرِ بِسَمْعِ النَّاسِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ يَقُولُونَ: هَذَا الدَّارُ لِفُلَانٍ، وَهَذِهِ الضَّيْعَةُ لِفُلَانٍ، وَهَذِهِ الدَّابَّةُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا الثَّوْبُ لِفُلَانٍ، وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى مُرُورِ الزَّمَانِ لَا يُرَى فِيهِمْ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، وَلَا مُنَازِعٌ فِيهِ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهَذَا الْخَبَرِ الْمُتَظَاهَرِ بِالْمِلْكِ دُونَ سَبَبِهِ، لِأَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ كَثِيرَةٌ تَخْتَلِفُ، فَتَكُونُ تَارَةً بِالشِّرَاءِ، وَتَارَةً بِالْمِيرَاثِ، وَأُخْرَى بِالْهِبَةِ، وَأُخْرَى بِالْوَصِيَّةِ، وَأُخْرَى بِالْإِحْيَاءِ وَأُخْرَى بِالْغَنِيمَةِ فَلَمَّا تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُهُ جَازَ إِذَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ أَنْ يُشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دُونَ سَبَبِهِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَالِكًا، لِأَنَّ السَّبَبَ يُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ عَلَى الْخَبَرِ الْمُتَظَاهِرِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُشْهَدَ بِالْمِلْكِ الْمُتَظَاهِرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ مِلْكِهِ الْمِيرَاثَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُشْهَدَ فِيهِ بِالْخَبَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute