فَإِنْ قِيلَ: بِأَنَّهَا تَحِلُّ بِالْفَلَسِ كَانَ أَرْبَابُ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِهِ وَيَرْجِعُ مَنْ كَانَ لَهُ عَيْنُ مَبِيعِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ فَإِذَا تَقَرَّرَ قَدْرُ مَا يَخُصُّهُمْ مِنَ الدَّيْنِ بالعين فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الصَّحَابَةِ - أَنَّهُ يُدْفَعُ إِلَى أرباب يتملكونه كما يدفع ذلك إلى مثل دَيْنه حَال لِيَتَمَلَّكَهُ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ قَدْ صَارَ بِالْفَلَسِ كَالْمُعَجَّلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وأبي علي بن أبي هريرة: أنه يكون باقيا على ملك الْمُفْلِسِ لَا يُدْفَعُ إِلَى غُرَمَائِهِ حَتَّى تَحِلَّ دُيُونُهُمْ وَيَكُونَ تَأْثِيرُ مُشَارَكَتِهِمْ لِبَاقِي الْغُرَمَاءِ وَرُجُوعِهِمْ بِأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ أَنْ لَا يُصْرَفَ جَمِيعُ مَالِهِ في الديون الحالة وأنه ربما يكسب بَعْدَ الْحَجْرِ مَا لَا يَقْضِي بِهِ الدُّيُونَ الْمُؤَجَّلَةَ وَلَوِ اكْتَسَبَ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا بِهِ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ يُطْلَقُ تَصَرُّفُ الْمُفْلِسِ فِيهِ حَتَّى إِذَا حَلَّتِ الْآجَالُ صَرَفَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وقسم فيهم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَخْذُ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْمُفْلِسِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْمَالِ إِمَّا فِي الْخَطَأِ وَإِمَّا فِي الْعَمْدِ الَّذِي لَا قَوَدَ فِيهِ فَقَدْ مَلَكَ أَرْشَهَا وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُسْتَحْدَثُ مِلْكُهُ مِنْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَبْرَأَ الْجَانِيَ مِنْهُ كَانَ كَمَا لَوْ وَهَبَ مَالًا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَكُونُ بَاطِلًا. وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ حَجْرَ الْمُفْلِسِ جَارٍ مَجْرَى حَجْرِ السَّفِيهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا. فَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ بَطَلَ الْإِبْرَاءُ فِيمَا قَابَلَ بَقِيَّةَ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابِلًا لِجَمِيعِ الدِّيَةِ بَطَلَ جَمِيعُ الْإِبْرَاءِ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلًا لِبَعْضِهَا بَطَلَ مِنَ الْإِبْرَاءِ بِقَدْرِ مَا قَابَلَ الْبَاقِيَ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ نِصْفٍ وَصَحَّ فِي الْبَاقِي. وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْحَجْرَ بِالْفَلَسِ جَارٍ مَجْرَى حَجْرِ الْمَرَضِ.
(فَصْلٌ)
وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا تُوجِبُ الْقَوَدَ، فَالْمُفْلِسُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَأْخُذَ الْمَالَ سَوَاءٌ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَانْتَقَلَ إِرْثًا إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] . فَإِنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ وَإِنْ أَرَادَ الْمَالَ كَانَ لَهُ وَقُسِّمَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَإِنْ عُفي عَنِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يُصَرَّحْ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمَالِ سَقَطَ الضَّمَانُ. وَفِي سُقُوطِ الْمَالِ قَوْلَانِ. مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ مَا الَّذِي تُوجِبُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute