للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْكَلَامِ مُرْتَبِطٌ بِبَعْضٍ، فَأَوَّلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى آخِرِهِ، وَهُوَ كَلَامٌ لَا يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَصَحَّ وَلَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بِلِسَانِهِ وَأَضْمَرَهُ بِقَلْبِهِ وَنَوَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَوَى إلا اثْنَتَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ مَا أَضْمَرَهُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَمِنَ الْعَدَدِ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا كَانَ صَحِيحًا مَعَ الْإِظْهَارِ وَبَاطِلًا مَعَ الْإِضْمَارِ، لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ أَقْوَى مِنَ النِّيَّةِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَا يَقَعُ لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، فَإِذَا تَعَارَضَتِ النِّيَّةُ وَاللَّفْظُ، يُغَلَّبُ حُكْمُ اللَّفْظِ لِقُوَّتِهِ عَلَى حُكْمِ النِّيَّةِ لِضَعْفِهِ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ.

فَلَوْ قَالَ: وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ: أَنْتُنَّ طَوَالِقٌ، وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَعَزَلَهَا مِنَ الطَّلَاقِ صَحَّ استثناؤه من الطلاقهن، مُظْهَرًا وَمُضْمَرًا، فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهَا إِنِ اسْتَثْنَاهَا ظَاهِرًا بِلَفْظِهِ لَا فِي الظَّاهِرِ، وَلَا فِي الْبَاطِنِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهَا إِنِ اسْتَثْنَاهَا، بَاطِنًا بنيته في الباطن، وإن كان واقعاً، وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لِلْأَرْبَعِ: أَنْتُنَّ يَا أَرْبَعُ طَوَالِقٌ وَأَرَادَ إِلَّا وَاحِدَةً فَإِنِ اسْتَثْنَاهَا بِلَفْظِهِ صَحَّ، وَإِنْ عَزَلَهَا بِنِيَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْعَدَدِ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْأَرْبَعِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ بِقَلْبِهِ الْإِشَارَةَ بِالطَّلَاقِ إِلَى أصْبَعِهِ دُونَ زَوْجَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَدِينُ فِي بَاطِنِ الْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَدِينُ فِيهِ لِاحْتِمَالِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ: لَا يَدِينُ فِيهِ، وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأصْبَعَ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا طَلَاقُ انْفِصَالٍ، وَلَا طَلَاقُ تَحْرِيمٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَوْقَعَ طَلَاقًا عَلَى أَن لَا يَكُونَ طَلَاقًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلَا طَلَاقٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَرَّمَ جَارِيَتَهُ فَأُمِرَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُمَا تَحْرِيمُ فَرْجَيْنِ حِلَّيْنِ بِمَا لَمْ يَحْرُمَا بِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ، كَانَ طَلَاقًا يَقَعُ مِنْ عَدَدِهِ مَا نَوَاهُ، مِنْ وَاحِدَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، كَانَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الظِّهَارَ كَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْإِيلَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>