للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانُوا حَرْبًا يُقْتَلُونَ، وَيُسْتَرَقُّونَ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا فَفِي بُطْلَانِ أَمَانِهِمْ بِانْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ أَنَّ أَمَانَهُمْ لَا يَبْطُلُ بِنَقْضِ الْعَهْدِ، لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ فِي عَقْدٍ، فَالْتَزَمْنَا حُكْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمُوهُ. وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ أَنْ يُقَرُّوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَزِمَ أَنْ يَبْلُغُوا مَأْمَنَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُوا بَعْدَ بُلُوغِ مَأْمَنِهِمْ حَرْبًا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنَ الْأُمِّ أَنَّ أَمَانَهُمْ قَدْ بَطَلَ، لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَهْدِ، فَبَطَلَ بِانْتِقَاضِهِ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، فَعَلَى هَذَا قَدْ صَارُوا بِبُطْلَانِ الْأَمَانِ حَرْبًا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْأَسْرَى إِمَّا الِاسْتِرْقَاقُ أَوِ الْمَنُّ، أَوِ الْفِدَاءُ، فَلَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَهَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَرَقُّوا، وَيُفَادَوْا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، وَإِنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُ الْأَسِيرِ الْمُحَارِبِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ أَمَانًا مُتَقَدِّمًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَسِيرِ، فَصَارَ حُكْمُهُمْ بِهِ أَضْعَفَ وَأَخَفَّ مِنَ الْأَسِيرِ. فَأَمَّا أَمَانُ ذَرَارِيهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَفِي بُطْلَانِ أَمَانِهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ، لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ فِي لُزُومِهِ، فَكَانُوا تَبَعًا فِي بُطْلَانِهِ، فَيَصِيرُوا سَبْيًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ أَظْهَرُ - أَنَّ أَمَانَهُمْ لَا يَبْطُلُ لِاسْتِقْرَارِهِ فِيهِمْ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِبُطْلَانِهِ فِي غَيْرِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْبَوْا، وَيَجُوزَ إِقْرَارُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ سَأَلُوا الرُّجُوعَ لِدَارِ الْحَرْبِ أُعِيدَ الصِّبْيَانُ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِاخْتِيَارِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَأَقَامَ الصِّبْيَانَ حَتَّى يَبْلُغُوا، ثُمَّ يُخَاطَبُوا بِالْجِزْيَةِ، فَإِنِ الْتَزَمُوهَا اسْتُؤْنِفَ عَهْدُهُمْ عَلَيْهَا، وَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْهَا بَلَغُوا مَأْمَنَهُمْ، ثُمَّ كَانُوا حَرْبًا، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الصغار مطلبهم أهلوهم مِنْ دَارِ الْحَرْبِ نُظِرَ. فَإِنْ كَانَ طَالِبُهُمْ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِحَضَانَتِهِمْ أُجِيبَ إِلَى رَدِّهِمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ لِحَضَانَتِهِمْ مُنِعَ مِنْهُمْ.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَلَا يُحْدِثُوا فِي أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ كَنِيسَةً وَلَا مَجْمَعًا لِصَلَاتِهِمْ وَلَا يُظْهِرُوا فِيهَا حَمْلَ خَمْرٍ وَلَا إِدْخَالَ خِنْزِيرٍ ". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا قَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ مُنْكَرَاتِهِمْ، فيمنعوا مِنْ إِحْدَاثِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، لِمَا رَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: لَمَّا صَالَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَصَارَى الشَّامِ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا، فَذَكَرَ فِيهِ إنَّهُمْ لَا يَبْنُونَ فِي بِلَادِهِمْ، وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دِيرًا وَلَا كَنِيسَةً، وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ وَأَنْ لَا يَمْنَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>