قيل: هذا فاسد من وجهين إنَّهُ لَيْسَ فِي عُرْفِ التَّأْدِيبِ حَذْفُهُ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ جَازَ لِمَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ تَأْدِيبِهِ أَنْ لَا يُقَالَ لِحَذْفِهِ يَسْقُطُ بِهِ الْقَوَدُ عَنْ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ لِلتَّأْدِيبِ مِنْ وَالٍ وَحَاكِمٍ، وَهُمْ يُقَادُونَ بِهِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلتَّأْدِيبِ فَكَذَلِكَ الْأَبُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو سُقُوطُ الْقَوَدِ عَنِ الْأَبِ فِي الْحَذْفِ أَنْ يَكُونَ لِشُبْهَةٍ فِي الْفِعْلِ، أَوْ فِي الْفَاعِلِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لِشُبْهَةٍ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شُبْهَةً فِيهِ مَعَ غَيْرِ الْوَلَدِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لِشُبْهَةٍ فِي الْفَاعِلِ وَهُوَ الْأُبُوَّةُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْقَوَدُ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْضُ أَبِيهِ، وَلَا قَوَدَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِيمَا جَنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي وَلَدِهِ لِأَنَّهُ بَعْضُ نَفْسِهِ.
وَاسْتِدْلَالُهُ بِالظَّوَاهِرِ مَخْصُوصٌ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْأَجَانِبِ مَمْنُوعٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ البَعْضِيَّةِ وَاعْتِبَارُهُ بِقَتْلِ الْوَلَدِ بِالْوَالِدِ فَاسِدٌ لِتَسْوِيَتِهِ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الذَّبْحِ، وَالْحَذْفِ، وَفَرْقِهِ فِي الْأَبِ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالْحَذْفِ، وَأَنَّهُ يُحَدُّ الْوَلَدُ بِقَذْفِ الْوَالِدِ، وَلَا يُحَدُّ الْوَالِدُ بِقَذْفِ الْوَلَدِ، وَهَذَا انْفِصَالٌ وَدَلِيلٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ: لِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ، وَكَيْفَ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِ مِثْلِهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَةَ لِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَمْ يخالف أَحَدُهُمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَتْلُهُ حَذْفًا إِجْمَاعٌ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ فَكَانَ الذَّبْحُ بِمَثَابَتِهِ.
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: إِنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِ وَلَدِهِ قَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ عَنِ الْمِيرَاثِ.
قِيلَ؛ إِنَّمَا قَالَ: إِنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يُحْجَبَ بِهِ الْإِخْوَةُ، كَمَا تَجْعَلُ الْأُمَّ وَأَبَاهَا كَالْأَبِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ، وَلَا تَجْعَلُهَا كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا قَوَدَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَمَنْ عَلَا مِنَ الأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مَنْ وَرِثَ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يَرِثْ فَسَوَاءٌ كَانَ الْوَالِدُ الْقَاتِلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَيُعَزَّرُ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ، وَلَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي أُبُوَّةِ وَلَدٍ ثُمَّ قَتَلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَقِيطًا قَدِ ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدًا أَوْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي