للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا لِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي خَرْصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِمَارَ الْمَدِينَةِ وَأَعْنَابَ الطَّائِفِ فَهَلْ كَانَ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْ لِإِفْرَازِ حُقُوقِ أَهْلِ السُّهْمَانِ؟ فَإِذَا قِيلَ خَرْصُهَا لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَإِنَّمَا كَانَ إِفْرَازُ الْحَقِّ تَبَعًا لِمَعْرِفَتِهَا.

فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْعًا.

وَإِذَا قِيلَ إِنَّمَا خَرْصُهَا لِإِفْرَازِ حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْهَا جَازَ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا وَكَانَتِ الْقِسْمَةُ إِفْرَازَ حَقٍّ وَتَمْيِيزَ نَصِيبٍ.

فَإِذَا قِيلَ إِنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة وَأَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فَوَجْهُهُ:

أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. فَإِذَا اقْتَسَمَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمَ الدَّارِ وَأَخَذَ الْآخَرُ مُؤَخَّرَهَا صَارَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ بَائِعًا لِحِصَّتِهِ مِنْ مُؤَخَّرِ الدَّارِ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ مُقَدَّمِهَا، لِأَنَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ بِمِلْكٍ وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ الْمَحْضُ.

وَإِذَا قِيلَ إِنَّ الْقِسْمَةَ إِفْرَاز حَقٍّ وَتَمْيِيزُ نَصِيبٍ فَوَجْهُهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمَّا خَالَفَتِ الْبَيْعَ فِي الِاسْمِ وَجَبَ أَنْ تُخَالِفَ الْبَيْعَ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسَامِي دَلِيلٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمَّا دَخَلَهَا الْجَبْرُ وَالْإِكْرَاهُ، وَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ مَعَ الْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ، دَلَّ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا وَعَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ دُخُولُ الْقُرْعَةِ فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ بِالْقِسْمَةِ وَلَمْ يَصِحَّ دُخُولُ الْقُرْعَةِ فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ حَتَّى يَكُونَ مُعَيَّنًا بِالْعَقْدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مُخَالِفَةٌ لِلْبَيْعِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ وَضَمَانُ الدَّرْكِ، وَانْتَفَى عَنِ الْقِسْمَةِ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ وَضَمَانُ الدَّرْكِ دَلَّ عَلَى تَنَافِي حُكْمَيْهِمَا وَعَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِذَا قِيلَ إن القسمة بيع فلا يخل حَالُ الْجِنْسِ الَّذِي يُرِيدُ الشَّرِيكَانِ قِسْمَتَهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا أَمْ لَا.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الرِّبَا كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ، جَازَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ، كَيْفَ شَاءَا، وَزْنًا وَعَدَدًا وَجُزَافًا وَمُتَفَاضِلًا، لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِي بَيْعِ مَا لَا رِبَا فِيهِ جَائِزٌ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ جِنْسًا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كالحنطة. فلا يجوز أن يقتسماه إِلَّا كَيْلًا مُتَسَاوِيًا وَيَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَلَا يَصْحُّ مِنْهُمَا اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، فَتَكُونُ صِحَّةُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>