للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقرأه، فإن قرأ عَلَيْهَا لَمْ تُطَلَّقْ، إِنْ كَانَتْ تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَطُلِّقَتْ إِنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُهَا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ مَمْحُوَّ الْكِتَابَةِ، فَلَا طَلَاقَ، لِأَنَّ الْكِتَابَ هُوَ الْمَكْتُوبُ وَمَا لا كتابة فيه فهو كأخذ وَلَيْسَ بِكِتَابٍ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمَاحِيَ لَهُ أو غيره، ولكن لو تطلست كتابته ولم يمح نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مَفْهُومَ الْقِرَاءَةِ طُلِّقَتْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومٍ لَمْ تُطَلَّقْ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُ، فَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْهُ مَوْضِعَ طَلَاقِهَا لَمْ تُطَلَّقْ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ لَمْ يَصِلْ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ طَلَاقِهَا بَاقِيًا وَالذَّاهِبُ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِهَا بِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا تُطَلَّقُ سَوَاءٌ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْهُ مَكْتُوبًا أَوْ غَيْرَ مَكْتُوبٍ، لِأَنَّ الْوَاصِلَ مِنْهُ بَعْضُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُطَلَّقُ، سَوَاءٌ كَانَ الذَّاهِبُ مَكْتُوبًا أَوْ غَيْرَ مَكْتُوبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ هُوَ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَاصِلٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الذَّاهِبُ مِنَ الْمَكْتُوبِ لَمْ تُطَلَّقْ، لا بَعْضُ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ غَيْرِ الْمَكْتُوبِ طُلِّقَتْ، لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ هُوَ جَمِيعُ الْكِتَابِ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: إِنْ وَصَلَ أَكْثَرُهُ طُلِّقَتْ، وَإِنْ وَصَلَ أَقَلُّهُ لَمْ تُطَلَّقِ اعْتِبَارًا بالأغلب.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (فَإِنْ كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ حِينِ كَتَبَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا اقْتَرَنَ بِكِتَابَتِهِ نِيَّةُ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيْهِ، الَّذِي تَفَرَّعَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَتَبَ طَلَاقًا نَاجِزًا، وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِوُصُولِ الْكِتَابِ إِلَيْهَا، فَيَعْمَلُ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِطَلَاقِهَا نَاجِزًا وَخَالَفَ أَنْ يُكْتَبَ، إِذَا وَصَلَ إليك كتابي فأنت طالق، فلا يطلق إِلَّا بِوُصُولِهِ، لِأَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِصِفَةٍ، وَذَاكَ نَاجِزٌ، فَلَوْ كَانَ قَالَ لَهَا: إِذَا أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهَا إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَاءَهَا الْكِتَابُ طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا بِوُصُولِ الْكِتَابِ وَالثَّانِيَةُ بِمَجِيءِ الطَّلَاقِ، لأن الصفتين موجودتين فِي وُصُولِهِ، وَعَلَى مِثَالِهِ أَنْ يَقُولَ لَهَا: إِنْ أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أَكَلْتِ رُمَّانَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَتُطَلَّقُ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّهَا قَدْ أَكَلَتْ نِصْفَ رُمَّانَةٍ وَأَكَلَتْ رُمَّانَةً وَلَوْ قَالَ لَهَا: كُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، لِأَنَّ فِيهَا نِصْفَيْنِ، فَطُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ وَهِيَ رُمَّانَةٌ، فَطُلِّقَتْ ثَالِثَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>