وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ حِفْظُهَا بِمَكَانٍ مِنَ الْمِصْرِ دُونَ مَكَانٍ فَكَذَلِكَ فِي السَّفَرِ " فَلَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ الْمِصْرَ يَتَسَاوَى حُكْمُ أَمَاكِنِهِ الْمَأْمُونَةِ، وَالسَّفَرُ مُخَالِفٌ لِلْمِصْرِ.
فَصْلٌ:
وَإِنْ دَفْعَهَا مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى وَكِيلِ مَالِكِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ يَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهَا، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى وَكِيلِ مَالِكِهَا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا خَاصًّا فِي قَبْضِ وَدَائِعِهِ، فَلَهُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ، لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا خَاصًّا فِي غَيْرِ قَبْضِ الْوَدِيعَةِ، فَهَذَا فِي حَقِّ الْوَدِيعَةِ كَالْأَجَانِبِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي غَيْرِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا عَامًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَفِي جَوَازِ رَدِّهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ العام:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ رَدُّهَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: تَصِحُّ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ رَدُّهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ طَالَبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَكِيلَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ مِنْهُ لَزِمَ الْوَكِيلَ الْإِشْهَادُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ قَوْلَ الْمُسْتَوْدَعِ مَقْبُولٌ عَلَى المودع فجاز أن لا يلزم الإشهاد، وقول غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى وَكِيلِهِ، فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الْإِشْهَادُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ قَدْ قَبَضَهَا مِنَ الْمُودِعِ أَوْ مِنْ وَكِيلِهِ فِي لُزُومِ الْإِشْهَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا فِي جَوَازِ دَفْعِهَا إِلَيْهِ، لِأَنَّ لِلْمُودِعِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ مِنْ عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ.
فَصْلٌ:
وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِ الْمَالِكِ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ، لِأَنَّ مَالِكَهَا رَشِيدٌ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ يَدَ الْحَاكِمِ نَائِبَةٌ عَنْ كُلِّ مَالِكٍ، فَعَلَى هَذَا إِنِ دَعَاهُ الْمُسْتَوْدَعُ إِلَى الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ قِيلَ لِلْحَاكِمِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِكَ، أَوْ في إعلام مالكها بالاسترجاع، فإن أخذها وَاجِبٌ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي أَيِّهِمَا شِئْتَ.
[فصل:]
وإن دفعها مع حضور مالكها إلى أجنبي ائتمنه عليها فَاسْتَوْدَعَهُ إِيَّاهَا ضَمِنَهَا، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ إِلَى دَفْعِهَا إِلَى غَيْرِهِ، فَصَارَ كَالسَّفَرِ بِالْمَالِ.