تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ كَمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مِنَ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ، وَالثِّمَارِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَعَرُوضِ التِّجَارَةِ إِذَا بَلَغَتْ نِصَابًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ دُونَ النِّصَابِ، وَلَا فِي الدُّورِ وَالْعَقَارِ، وَلَا فِي الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَنْ كل خمس من الإبل شاتان، عن كل ثلاثين بقرة تسعين، وَعَلَى كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَانِ، وَعَمَّا سَقَتْهُ السَّمَاءُ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا العشر الخمس، وعما سقي بنضج أَوْ غَرْبٍ يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ الْعُشْرُ، وَعَمَّا وَجَبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ نِصْفُ الْعُشْرِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا من الذهب، وَمِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَعَمَّا وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ مِنَ الرِّكَازِ وَالْمَعَادِنِ الخمسين، فكان لعقد صُلْحِهِمْ مَعَ عُمَرَ مُسْتَقِرًّا عَلَى هَذَا، وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ عُمَرَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَمْنَعُوهُمْ أَنْ يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كَانَ إِرْهَابًا وَلَمْ يَكُنْ إِلْزَامًا.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ صُلْحِ عُمَرَ، فَهُوَ شَيْءٌ يَزِيدُ، وَيَنْقُصُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ، وَيَجِبُ ولا يَجِبُ بِوُجُودِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ، وَيُعْلَمُ وَلَا يُعْلَمُ بظهور المال واستبطانه، فصار مجهولا لتبرزه بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَوُجُوبٍ وَإِسْقَاطٍ، وَمَكْتُومٍ وَمَشْهُورٍ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ دِينَارَ الْجِزْيَةِ، لِأَنَّهُمُ امْتَنَعُوا مِنْ بذل الجزية لئلا يجري عليه صَغَارٌ، فَصَارَتْ مُضَاعَفَةُ الصَّدَقَةِ هِيَ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةً بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ حَمْقَى، أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضُوا بِالْمَعْنَى.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عَقْدِ الصُّلْحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ حَمْلُهُمْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا أَوْ نَقَصَ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَالُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَالًا مُزَكًّى، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ فَكَانَ إِمْضَاؤُهُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ نَقَصَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ فِي وَقْتٍ آخَرَ عَلَى الدِّينَارِ لِمَا يَسْتَفِيدُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ مَنْ لَا مِلْكَ لَهُ، فَيُؤَدَّى، فَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِهَا لَا بِالدِّينَارِ وَيَكُونُ مَا يُخَافُ مِنْ نُقْصَانِ الدِّينَارِ فِي وَقْتٍ مَجْبُورًا بِمَا يُرْجَى مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى هَذَا إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ يَفِي بِدِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدِّينَارِ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ لَمْ يَجُزْ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونُوا أَلْفَ رَجُلٍ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِمُضَاعَفَةِ الصَّدَقَةِ أَلْفُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا جَازَ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ دِينَارٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَضُرُّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَقَلُّ مِنْ دِينَارٍ إِذَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ، ولا شيء على من لا ماله لَهُ مِنْ مُزَكًّى؛ لِأَنَّهُ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute