للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ فِي النَّاسِ، وَجَازَ أَنْ يُشْتَبَهَ الِاسْمُ وَالنَّسَبُ أَخَذَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ بِتَعْيِينِهِ، عِنْدَ حُضُورِهِ، بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ، إِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي شَهِدْنَا عِنْدَكَ بِتَعْدِيلِهِ، لِيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ، فِي اسْمِهِ، وَنَسَبِهِ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُوَافِقَ اسْمٌ اسْمًا، وَنَسَبٌ نَسَبًا.

وَهَذَا التَّعْيِينُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ، لِمَا ذَكَرْنَا.

وَحَمَلَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، تَأْكِيدًا، اعْتِبَارًا بِالظَّاهِرِ.

وَحَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فِي الْمَشْهُورِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ فِي المجهول أصح.

[(فصل: هل الحكم بالعدالة يستقر على التأييد)]

فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا وَحَكَمَ بِالشَّهَادَةِ فِي التَّعْدِيلِ عَلَى مَا شَرَحْنَا وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أن الحكم بعدالته قد استقر على التأييد مَا لَمْ يَطْرَأْ جَرْحٌ يَظْهَرُ مِنْ بَعْدُ، فَيَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِ مَتَى شَهِدَ عِنْدَهُ، اسْتِصْحَابًا بِالظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ يُعِيدُ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِ فِي كُلِّ مُدَّةٍ يَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ فِيهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ، لِأَنَّهُ شَاقٌّ، وَخَارِجٌ عَنِ الْعُرْفِ.

وَالْمُدَّةُ الَّتِي يَعْتَدُّ بِمُضِيِّهَا الْبَحْثُ عَنْ عَدَالَتِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ.

وَقَدَّرَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.

فَإِذَا أَعَادَ الْبَحْثَ عَنْهُ مِرَارًا، اسْتَقَرَّتْ فِي النُّفُوسِ عَدَالَتُهُ، وَتَحَقَّقَتْ أَمَانَتُهُ، فَإِنْ تَجَدَّدَتْ مِنْهُ اسْتِرَابَةٌ أَعَادَ الْبَحْثَ وَالْكَشْفَ وَإِنْ لَمْ تَحْدُثِ اسْتِرَابَةٌ لم يعدها.

[(فصل: تمييز الشهود وتعيينهم)]

فَأَمَّا تَمْيِيزُ الشُّهُودِ وَتَعْيِينُهُمْ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ حَتَّى يَعْتَمِدَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَسْمَعَ شَهَادَةَ غَيْرِهِمْ كَالَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا فَهُوَ مُسْتَحْدَثٌ، أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، وَكَانَ مَالِكِيًّا مَيَّزَ شُهُودَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ غَيْرِهِمْ، وَتَلَاهُ مَنْ تَعَقَّبَهُ مِنَ الْقُضَاةِ إِلَى وَقْتِنَا لِيَكُونَ الشُّهُودُ أَعْيَانًا مَعْدُودِينَ حَتَّى لَا يَسْتَشْهِدَ الْخُصُومَ بِمَجْهُولِ الْعَدَالَةِ فَيُغَرِّرُوا وَلَا يَطْمَعُ فِي الشَّهَادَةِ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهَا فَيَسْتَرْسِلُوا.

وَهَذَا مَكْرُوهٌ مِنْ أَفْعَالِ الْقُضَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحْدَثٌ، خُولِفَ فِيهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ.

وَلَيْسَ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شُهُودٌ يَقْبَلُهُمْ، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهُمُ، اقْتِصَارًا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي النَّاسِ مِنَ الْعُدُولِ أَمْثَالَهُمْ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>