أَنْ لَا يُنَافِيَ الصَّوْمَ كَالْإِغْمَاءِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثٍ " ذَكَرَ فِيهَا الْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى لَوْ دَامَ جَمِيعَ الشَّهْرِ أَسْقَطَ الْقَضَاءَ فَوَجَبَ إِذَا اتصل بعض الشَّهْرِ أَنْ يُسْقِطَ الْقَضَاءَ أَصْلُهُ الصِّغَرُ وَعَكْسُهُ الْمَرَضُ، وَلِأَنَّهُ زَمَانٌ مَرَّ عَلَيْهِ فِي الْجُنُونِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ أَصْلُهُ إِذَا جُنَّ جَمِيعَ الشَّهْرِ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا غير ما أدركه، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَا مَنْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ مَا ذَكَرَ، فَإِنْ أَدْرَكَ جَمِيعَ الشَّهْرِ لَزِمَهُ صِيَامُ جَمِيعِهِ، وَإِنْ أَدْرَكَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ صِيَامُ بَعْضِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ مَعْنَى لَا يُنَافِي الصَّوْمَ، فَلَا نُسَلِّمُ لَهُمْ وَيُنَازِعُوا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ الْمَرْدُودِ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَهُمْ، أَنَّهُ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إِيجَابِ الْقَضَاءِ كَالصِّغَرِ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ، وَلَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَأُحِبُّ لِلصَائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صِيَامَهُ عَنِ اللَّغَطِ الْقَبِيحِ، وَالْمُشَاتَمَةِ وَإِنْ شُوتِمَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي صائمٌ لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا الْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَالشَّتْمُ وَالنَّمِيمَةُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الصَّائِمَ بِالْمَنْعِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ عِدَّةَ الشُهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً) {التوبة: ٣٦) إِلَى قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ) {التوبة: ٣٦) فَالظُّلْمُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ فَهُوَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَقْبَحُ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّائِمُ بِالْمَنْعِ أَوْلَى، لِأَنَّ الصِّيَامَ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْقُرَبِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَمْتُ الصَّائِمِ تَسْبِيحٌ وَنَوْمُهُ عِبَادَةٌ وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ وَعَمَلُهُ مُضَاعَفٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدِ إِفْطَارِهِ وفرحةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ " وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ به فليس لله حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " وَرَوَى الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صَوْمِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ ".
وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الصَّوْمُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنِ امرؤٌ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ " وَفِيهِ ثَلَاثَةُ تأويلات:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute