قَوْلُ الْمَالِكِ دُونَ الْمُعْتِقِ وَضَمَانُ الْغَاصِبِ وَالْمُعْتِقِ سِيَّانِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مَعَ تَسَاوِي الضَّمَانَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَعْوَى الْغَاصِبِ كَانَتْ فِي نَقْصٍ يَعُودُ إِلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ شَلَلٍ، أَوْ خَرَسٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِلْقَةً فِيهِ، وَطَارِئًا عَلَيْهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْغَاصِبِ الْغَارِمِ، دُونَ الْمَالِكِ، لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَلَلٌ وَلَا خَرَسٌ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الْمُعْتِقِ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ دُونَ الْمَالِكِ كَالْغَاصِبِ.
وَالَّذِي قَالَهُ فِي دَعْوَى الْمُعْتِقِ إنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِ كَانَ فِي ادِّعَاءِ نَقْصٍ طَارِئٍ، لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةَ، كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ سَارِقًا وَلَا آبِقًا فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِ دُونَ الْمُعْتِقِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِسَارِقٍ وَلَا آبِقٍ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ، كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَالِكِ كَالْمُعْتِقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ فِي الغصب قول الغاصب في النقض وَالْقَوْلَ فِي الْعِتْقِ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي النَّقْصَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ، وَالْعِتْقِ: أَنَّ الْغَصْبَ اسْتِهْلَاكُ مُحْصَنٍ لَا يَمْلِكُ بِغُرْمِهِ شَيْئًا، فَجَعَلَ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ الْمُسْتَهْلِكِ وَالْعِتْقَ مُعَاوَضَةً يَمْلِكُ الْمُعْتِقُ بِهِ الْوَلَاءَ، فَجَعَلَ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ الْمُتَعَوِّضِ فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَعْضَاءٍ ظَاهِرَةٍ يُمْكِنُ الْمَجْنِيُّ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَلَامَتِهَا، فَالْقَوْلُ فِي نَقْصِهَا قَوْلُ الْجَانِي.
وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَعْضَاءٍ بَاطِنَةٍ، يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى سَلَامَتِهَا، فَفِي نَقْصِهَا إِذَا ادَّعَاهُ الْجَانِي قَوْلَانِ ذَكَرْنَاهُمَا في الجنايات، والله أعلم.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِذَا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عِتْقًا بَتَاتًا ثُمَّ مَاتَ كَانَ فِي ثُلُثِهِ كَالصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ) . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ الْمَوْتُ مُعْتَبَرٌ فِي ثُلُثِ الْمُعْتِقِ، فَإِنِ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ تَحَرَّرَ الْعِتْقُ، وَنَفَذَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الثُّلُثِ رُدَّ، وَعَادَ الْمُعْتَقُ رَقِيقًا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ وَحُكِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَأَصْلِ التَّرِكَةِ لِصَدَقَاتِ الزَّوْجَاتِ، وَمَا يَصْرِفُهُ فِي النَّفَقَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَهَذَا خَطَأٌ خَالَفَ بِهِ مَنْ سِوَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute