(فصل: [غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ] )
ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَا أَصْحَابَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ فَتَهَيَّئُوا وَأَسْرَعُوا، فَدَخَلَ بَيْتَهُ، فَاغْتَسَلَ، وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ، وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ الْقَصْوَى وَخَرَجَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ هِلَالَ ذِي الْقَعْدَةِ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ.
وَقِيلَ: أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَسَاقَ سَبْعِينَ بَدَنَةً مِنْهَا جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ الَّذِي غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَحَلَّلَهَا وَأَشْعَرَهَا فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَقَلَّدَهَا، وَهُنَّ مُوَجَّهَاتٌ إِلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَبَّى وَقَدَّمَ أَمَامَهُ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ طَلِيعَةً، وَبَلَغَ قُرَيْشًا مَسِيرُهُ فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى صَدِّهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَعَسْكَرُوا بِبَلْدَحَ، وَقَدَّمُوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَوَقَفَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فِي خَيْلِهِ بِإِزَائِهِ، وَحَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ فَصَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ فِي عُسْفَانَ، صَلَاةَ الْأَمْنِ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَقَرُبَتْ خَيْلُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى دَنَا مِنْهَا وَهِيَ طَرَفُ الْحَرَمِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، فَبَرَكَتْ نَاقَتُهُ الْقَصْوَاءُ فَزَجَرُوهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَنْبَعِثَ فَقَالُوا: خَلَأَتْ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيْ: رَجَعَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا خَلَأَتْ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ خُطَّةً فِيهَا تَعْظِيمُ حرمة لله إلا أعطيتم إِيَّاهَا " ثُمَّ زَجَرَهَا، فَقَامَتْ، فَوَلَّى رَاجِعًا عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ حَتَّى نَزَلَ بِالنَّاسِ عَلَى ثَمَدٍ من ثماد الحديبية قليل الماء، فانتزع منها مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَغُرِسَ فِيهَا فَجَاشَتْ لَهُمْ بِالرِّوَاءِ حَتَّى اغْتَرَفُوا بِآنِيَتِهِمْ جُلُوسًا عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، وَمُطِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى كَثُرَتِ الْمِيَاهُ، وَجَاءَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي رَكْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَقَالَ: قَدْ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ قَوْمِكَ وَإِنَّهُمْ جَمَعُوا لَكَ مَنْ أَطَاعَهُمْ، وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُخَلُّونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ حَتَّى تبيد ضفراءهم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا جِئْنَا لِقِتَالٍ وَإِنَّمَا جِئْنَا لِلطَّوَافِ بِهَذَا الْبَيْتِ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ " وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَصْحَابِهِ سِلَاحٌ إِلَّا سُيُوفُ الْمُسَافِرِينَ فِي أَغْمَادِهَا، فَعَادَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَبَعَثُوا عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute