[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى أَكْرَى مَنْزِلًا إِنَّمَا كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ بِإِنْزَالِ مَنِازِلِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ مَعْ مَنَازِلِهِمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالَّذِي أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَكْتَرِي عَلَى الْغَائِبِ مَسْكَنًا إِذَا لَمْ يَجِدْ مُتَطَوِّعًا بِمَسْكَنٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنْ لَمْ يَكْتَرِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مَسْكَنًا عَلَى زَوْجِهَا وَلَا فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ بَعْدَهُ، فَلِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ بِإِعَارَةِ مَنَازِلِهِمْ وَلَا يَكْرُونَهَا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا مَوْجُودًا فِي عُرْفِ بَعْضِ الْبِلَادِ اسْتَعَارَهُ الْحَاكِمُ لَهَا وَلَمْ يَكْتَرِهِ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِنَّمَا اكْتَرَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مُعِيرًا وَسَوَاءٌ وُجِدَ الْمُعِيرُ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُ الْعَارِيَةُ أَوِ الْكِرَاءُ، وَأَمَّا الزَّوْجُ إِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي مَسْكَنٍ مُعَارٍ فَأَرَادَ نَقْلَهَا مِنْهُ إِلَى مَسْكَنٍ يَكْتَرِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ عُرْفُ أَهْلِهِ الْعَارِيَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْلُهَا مِنْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ أَهْلُهُ فِي إِعَارَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ عُرْفُ أَهْلِهِ الْكِرَاءُ فَفِي جَوَازِ نَقْلِهَا مِنْهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ نَقْلُهَا مَا لَمْ يَرْجِعْ أَهْلُهُ فِي إِعَارَتِهِ كَالْبَلَدِ الْمَعْهُودِ إِعَارَتُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ نَقْلُهَا مِنْهُ كَيْ لَا يَلْحَقَهُ مِنَ الْمِنَّةِ فِيهِ مَا لَا يَلْحَقُهُ فِي الْبَلَدِ الْمَعْهُودِ إِعَارَتُهُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي: " وَلَوْ تَكَارَتْ فَإِنَّ الْكِرَاءَ كَانَ لَهَا مِنْ يَوْمِ تَطْلُبُهُ وَمَا مَضَى حَقُّ تَرِكَتِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا طَالَبَتِ الْمُعْتَدَّةُ بِالسُّكْنَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حُكِمَ لَهَا بِسُكْنَى مَا بَقِيَ مِنَ الْعِدَّةِ، وَسَقَطَ حَقُّهَا فِيمَا مَضَى قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ هَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَبْتُوتَةُ ذَاتَ حَمْلٍ وَطَالَبَتْ نَفَقَتَهَا بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ حُكِمَ لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي نَفَقَةِ الْحَامِلِ فَخَالَفَ فِيمَا مَضَى بَيْنَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَوْلَيْنِ، وَيُخَرِّجُ اخْتِلَافَ نَصِّهِ فِيهِمَا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ لَهَا بِالسُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُحْكَمُ لَهَا بِالسُّكْنَى وَلَا بِالنَّفَقَةِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي السُّكْنَى وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إِلَى حَمْلِ الْجَوَابِ مِنْهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْكَمُ لَهَا فِيمَا مَضَى بِالنَّفَقَةِ وَلَا يُحْكَمُ لَهَا بِالسُّكْنَى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ السُّكْنَى تَشْتَمِلُ عَلَى حَقٍّ لَهَا، وَعَلَى حَقٍّ عَلَيْهَا لِأَنَّ لَهَا الْمَسْكَنَ وَعَلَيْهَا الْمُقَامُ، فَإِذَا تَرَكَتِ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهَا فِي تَحْصِينِ مَاءِ الزَّوْجِ حيث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute