وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: ٢٤] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَتْ تُصَلِّي مَعَهُمُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَقَدَّمُ لِكَيْ لَا يَرَاهَا وَيَتَأَخَّرُ عَنْهَا بَعْضُهُمْ لِيَرَاهَا فَلَمْ يُبْطِلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاةَ مَنْ تَأَخَّرَ وَلَا أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تَصِحُّ لِلرَّجُلِ إِذَا تَقَدَّمَ فِيهَا عَلَى النِّسَاءِ فَجَازَ أَنْ تَصِحَّ إِذَا وَقَفَ فِيهَا مَعَ النِّسَاءِ
أَصْلُهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ
فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ "، فَالْأَمْرُ بِالتَّأْخِيرِ وَالنَّهْيُ عَنِ التَّقَدُّمِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَفَسَادِهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ
وَأَمَّا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يقطع الصلاة الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ "
فَالْمُرَادُ بِهِ الِاجْتِيَازُ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِإِجْمَاعٍ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّلَاةِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهَا. فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهَا وَإِنَّمَا هُوَ مَمْنُوعٌ لمعنى غيره
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ سَجَدَ فِيهَا "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ، أو سمع من يقرأها أَنْ يَسْجُدَ لَهَا فِي صَلَاةٍ كَانَ، أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَارِئًا كَانَ أَوْ مُسْتَمِعًا، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ
وَقَالَ أبو حنيفة: سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَارِئِ، وَالْمُسْتَمِعِ فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِ صَلَاةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ سَجَدَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ سَجَدَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا لهم لا يؤمنون وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢٠] . فَذَمَّهُمْ بِتَرْكِ السُّجُودِ وَوَبَّخَهُمْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ، قَالَ: وَلِأَنَّهَا سُجُودُ مَفْعُولٍ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا كَسَجَدَاتِ الصَّلَاةِ
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَرَأَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِسُورَةِ النَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَمَرَ بِهِ زِيدًا وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَجَدَ، وَقَرَأَهَا آخَرُ فَلَمْ يَسْجُدْ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كُنْتَ إِمَامَنَا، فَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا "