وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، لِأَنَّهُ طِيَرَةٌ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا، وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا أَعْظَمُ مَنْ كَسْرِ عَظْمِهَا وَمُلَاقَاةُ النَّارِ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ طَرْحِ الْخَلِّ عَلَى لَحْمِهَا وَيُكْرَهُ أَنْ تُلَطِّخَ جَبْهَةَ الْمَوْلُودِ وَرَأَسَهُ بِدَمِهَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ مَخْرَجَ الدَّمِ مِنْ أَوْدَاجِهَا بِصُوفِة يُلَطِّخُ بِهَا رأس المولود ثم يغسل روى همام عن قتادة عن أنس.
(فَصْلٌ:)
وَالْفَصْلُ السَّادِسُ: فِيمَا يَقْتَرِنُ بِالْعَقِيقَةِ مِنَ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ فِي الْمَوْلُودِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَيَتَصَدَّقَ بِوَزْنِهِ فِضَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا صَنَعَ بِالْمَوْلُودِ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فِي الْإِنَاثِ، لِأَنَّ حَلْقَ شُعُورِهِنَّ مَكْرُوهٌ.
وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن محمد بْنِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهُ أَمَرَ فَاطِمَةَ لَمَّا وَلَدَتِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَيْهِمَا وَتَتَصَدِّقَ بِزِنَةِ الشَّعْرِ فِضَّةً فَفَعَلَتْ ذَلِكَ وَفَعَلَتْ فِي سَائِرِ أَوْلَادِهَا مِنَ الْإِنَاثِ ".
وَالثَّانِي: أَنْ يُسَمَّى فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَيَجِبُ أَنْ يُسَمَّى بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بِمَ سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالُوا: حَرْبًا قَالَ: بَلْ سَمَّوْهُ حَسَنًا، وَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ قَالَ: " سَمَّوْهُ حُسَيْنًا "، وَقَدْ غَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَسْمَاءً كَثِيرَةً مِنْ أَصْحَابِهِ اخْتَارَهَا لَهُمْ بَعْدَ اشْتِهَارِهِمْ بِهَا مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْعُزَّى فَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ كَانَ اسْمُهُ رُوزِيَهْ فَسَمَّاهُ سَلْمَانَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُخْتَنَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ إِنْ قَوِيَ بَدَنُهُ عَلَى الْخِتَانَةِ وَمَنْ أَثْبَتَ رِوَايَةَ هَمَّامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ويدمى في السابع يأولها فِي خِتَانَتِهِ دُونَ تَلْطِيخِهِ بِدَمِ عَقِيقَةٍ.
فَإِنْ ضَعُفَ بَدَنُهُ عَنِ الْخِتَانَةِ فِي السَّابِعِ أُخِّرَ حتى يقوى عليها فأما المروزي فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى " فَفِي هَذَا الْأَذَى ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَحْلِقُ شَعْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ الحسن.
والثاني: أنه يغسل رَأْسَهُ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ خِتَانَتُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ.