[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله: " ولو قالت له أَمَتُهُ اعْتِقْنِي عَلَى أَنْ أَنْكِحَكَ وَصَدَاقِي عِتْقِي فَأَعْتَقَهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَنْكِحَ أَوْ تَدَعَ وَيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا فَإِنْ نكحته ورضي بالقيمة التي عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ لَا يُجِيزَ هَذَا الْمَهْرَ حَتَى يَعْرِفَ قِيمَةَ الْأَمَةِ حِينَ أَعْتَقَهَا فَيَكُونُ الْمَهْرُ مَعْلُومًا لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْمَهْرَ غَيْرَ معلومٍ (قال المزني) سألت الشافعي رحمه الله عن حديث صفية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعتقها وجعل عتقها صداقها فقال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في النكاح أشياء ليست لغيره ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا، إِمَّا أَنِ ابْتَدَأهَا بِذَلِكَ أَوْ سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا إِلَى ذلك فقد عتقت، وهي بالخيار في الحالين بَيْنَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ أَوْ لَا تَتَزَوَّجَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: قَدْ صَارَتْ لَهُ بِهَذَا الْعِتْقِ زَوْجَةً مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ.
وَقَالَ الأوزاعي: لا تصير زوجة بالعتق ولكن تخير عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ بِعَقْدٍ مُسْتَجَدٍّ.
وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا " وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عَقَدَ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَيْهَا ثُمَّ دَخَلَ بها.
وَاسْتَدَلَّ الْأَوْزَاعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى مَعْلُومٍ من خدمته أَوْ عَمَلٍ أُخِذَتْ بِهِ جَبْرًا فَكَذَلِكَ عَلَى التَّزْوِيجِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ بَدَلَ الْعِوَضِ عَلَى نِكَاحٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَعْطَاهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ بَعْدَ يَوْمٍ لَمْ يَصِحَّ كَذَلِكَ هَذَا، وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ إِنَّمَا ثَبَتَتْ فِيهَا الْأَمْوَالُ، وَالْأَعْمَالُ، فَالْأَمْوَالُ كَالْقَرْضِ، وَالسَّلَمِ، وَالْأَعْمَالُ كَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ، فَأَمَّا الْعُقُودُ فَلَا يثبت فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا عَلَى أن تبيعه داراً، أو يؤجره عَبْدًا لَمْ يَصِحَّ كَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَثْبُتُ في الذمة بما نفذ مِنَ الْعِتْقِ، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ انْفِصَالٌ عَمَّا استدل به الأوزاعي، لأن قطع الخيار قبل ما يملك به استحقاق الْخِيَارِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أُسْقِطَ الشَّفِيعُ خِيَارَهُ فِي أَخْذِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، لَمْ يَسْقُطِ الْخِيَارُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَذَلِكَ خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ فِي التَّزْوِيجِ يَكُونُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ إِسْقَاطُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَيَدُلُّ عَلَى أَحْمَدَ خُصُوصًا أَنَّ الْعِتْقَ مُزِيلٌ لِمِلْكِ الْمُعَتِقِ عَنِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ بَعْضُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ نَفْيَ شَيْءٍ اسْتَحَالَ أَنْ يُوجِبَ إثباته وإثبات بعضه لكونهما ضدين متنافيين.
فأما اسْتِدْلَالُ أَحْمَدَ بِحَدِيثِ صَفِيَّةَ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَبَطَلَ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَخْصُوصٌ فِي مَنَاكِحِهِ بِمَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute