وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سَفَرٍ عَلَى جَمَلٍ إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ: " أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُ، فَنَخَسَهُ وَزَجَرَهُ، فَكَانَ فِي أَوَّلِ الْقَوْمِ، فَقَالَ: " بِعْنِيهِ " قُلْتُ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " بَلْ بِعْنِيهِ " قَالَ: " قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ ولك ظهره حتى نأتي الْمَدِينَةَ "، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا بِلَالُ اقْضِهِ وَزِدْهُ " فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَقِيرَاطًا زَادَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَا تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاعَ لِرَجِلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ شَكَا فَقْرًا قَدَحًا وحِلسا بِدِرْهَمَيْنِ فِيمَنْ يَزِيدُ.
وَأَمَّا إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ: فَظَاهِرٌ فِيهِمْ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ بِجُمْلَتِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ وَصِفَتِهِ، حَتَّى أَنَّ كُبَرَاءَ الصَّحَابَةِ ارْتَسَمُوا بِهِ وَنَدَبُوا نُفُوسَهُمْ لَهُ، فَرُوِيَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ تَاجِرًا فِي الْبَزِّ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ تَاجِرًا فِي الطَّعَامِ وَالْأَقِطِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ تَاجِرًا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَرُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ تَاجِرًا فِي الْعِطْرِ.
وَعَلَى ذَلِكَ جَرَتْ أَحْوَالُ الصَّحَابَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَبَعْدَهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ تَفَرَّدَ بِجِنْسٍ مِنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَلَبَ فِي جَمِيعِ صُنُوفِهَا كَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَدَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ مُبَاحٌ.
فَصْلٌ:
فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] أَمَّا قَوْلُهُ: {لا تَأْكُلُوا} فَمَعْنَاهُ: لَا تَأْخُذُوا، فَعَبَّرَ عَنِ الْأَخْذِ بِالْأَكْلِ، لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠] أَيْ: يَأْخُذُونَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَمْوَالَكُمْ} فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ مَالَ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ فَيَصْرِفَهُ فِي الْمَحْظُورَاتِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] أَيْ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute