قِيلَ: افْتِرَاقُهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فِي إِبَاحَةِ الْقَتْلِ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ قتل مباح بسبب كان من الصول فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَدْرًا كَالْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ وَالزِّنَا، وَلِأَنَّ مَا سَقَطَ بِهِ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ سَقَطَ بِهِ ضَمَانُ الْبَهِيمَةِ قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ إِذَا صَالَ عَلَى مُحْرِمٍ لَمْ يُضْمَنْ بِالْجَزَاءِ كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ الْمَمْلُوكَةُ لَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ مَضْمُونٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَخَفَّ حُكْمًا مِنَ الْمَضْمُونِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إذا اضطر إلى إتلافها لِشِدَّةِ جُوعِهِ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي سقوط الضمان إذا قتلها لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ أَغْلَظُ مِنْ حُرْمَةِ الْبَهِيمَةِ لِضَمَانِ نَفْسِهِ بِالْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ وَانْفِرَادِ ضَمَانِ الْبَهِيمَةِ بِالْقِيمَةِ، فَلَمَّا سَقَطَ بِالدَّفْعِ ضَمَانُ الْأَغْلَظِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهِ ضَمَانُ الْأَخَفِّ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى أكل المضطر فمن وجهين:
أحدهما: انتفاضه بالعبد إذا قتله دفاعاً عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْيَا نَفْسَهُ بِقَتْلِ مَالِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ سلم من هذا النقص لكان لهذا الْمَعْنَى فِي الطَّعَامِ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَهُوَ ضَرُورَةُ جُوعِهِ.
وَالْمَعْنَى فِي صَوْلِ الْفَحْلِ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِمَعْنًى فِي الْفَحْلِ وَهُوَ مخافة صوله فافترقا في المعنى من هذا الوجه، فوجب افْتِرَاقهُمَا فِي الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ إِذَا قَتَلَهُ لِلْجُوعِ ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَتَلَهُ لِلدَّفْعِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَكَالصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لِجُوعِهِ ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَتَلَهُ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ قَصْدَ الْبَهِيمَةِ لَا حُكْمَ له فمن وجهين:
أحدهما: انتفاضة بِصَوْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ يَسْقُطُ بِهِ الْجَزَاءُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَصُلْ.
وَالثَّانِي: أنه لما حل قتله بصوله وَلَمْ يَحِلَّ إِذَا لَمْ يَصُلْ دَلَّ عَلَى سقوط الضمان بصوله إِذَا لَمْ يَصُلْ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ سُقُوطُ الضمان في تلف المدفوع من آدمي وبهيمة فَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ:
أحدها: صفة الحال التي يجوز فيها الدفع، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ قَادِرًا عَلَى