للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ: فَهُوَ كُلُّ لَفْظٍ كَانَ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ: قَدْ أَبَحْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ، أَوْ قَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَيْهِ، أَوْ قَدْ أَوْجَبْتُهُ لَكَ، أَوْ جَعَلْتُهُ لَكَ. كُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ بِهَا، لِاحْتِمَالِهَا، وَأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهَا.

وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ: فَهُوَ قَوْلُهُ: قَدْ مَلَّكْتُكَ. فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ: تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ بِالْعِوَضِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: بِعْتُكَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ، لِعِلَّتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّ لَفْظَ التَّمْلِيكِ يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَيَحْتَمِلُ الْهِبَةَ عَلَى الْعِوَضِ، فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ.

وَالْأُخْرَى: أَنَّ التَّمْلِيكَ هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ وَمُوجَبُهُ، فَاحْتَاجَ إِلَى تَقْدِيمِ الْعَقْدِ، لِيَكُونَ التَّمْلِيكُ يَتَعَقَّبُهُ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْعَقْدِ بِأَلْفَاظِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْبَائِعِ خَارِجًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ:

إِمَّا مَخْرَجَ الْبَذْلِ، أَوْ مَخْرَجَ الْإِيجَابِ.

وَلَفْظُ الْمُشْتَرِي خَارِجًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا:

إِمَّا مَخْرَجَ الْقَبُولِ، أَوْ مَخْرَجَ الطَّلَبِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ لَهُمَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بِلَفْظِهِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ:

إِحْدَاهُنَّ: أَنْ يَعْقِدَاهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي.

وَالثَّانِيَةُ: بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ.

وَالثَّالِثَةُ: بِلَفْظِ الْأَمْرِ.

فَأَمَّا عَقْدُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي: فَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ الْبَائِعُ، فَيَقُولُ: قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قَدِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ بِهَا، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ: قَدْ بِعْتُكَ، يَكُونُ بَذْلًا، وَقَوْلُ الْمُشْتَرِي: قَدِ اشْتَرَيْتُ، يَكُونُ قَبُولًا، وَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِالْبَذْلِ وَالْقَبُولِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِيَ مُبْتَدِئًا: قَدِ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ، فَيَقُولُ الْبَائِعُ: قَدْ بِعْتُكَ بِهَا، صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَحْتَجِ الْمُشْتَرِي إِلَى إِعَادَةِ الْقَبُولِ بَعْدَ بَذْلِ الْبَائِعِ بِوِفَاقِ أبي حنيفة؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ من المشتري إذا تقدم وإن كان بِلَفْظِ الْقَبُولِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الطَّلَبِ، وَقَوْلُ الْبَائِعِ إِذَا تَأَخَّرَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَذْلِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْإِيجَابِ، وَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِالطَّلَبِ وَالْإِيجَابِ، كَمَا يَصِحُّ بِالْبَذْلِ وَالْقَبُولِ.

فَأَمَّا إِذَا ابْتَدَأَ الْبَائِعُ، فَقَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتَ مِنِّي عَبْدِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُهُ، لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>