عَشَرَ جُزْءًا لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ حَتَّى يَكُونُوا سَوَاءً فِي الْعَوْلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ، وَلِآخَرَ بربعه.
فقد عالت المسألة على كل ماله فلا يخلوا حاله وَرَثَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ إِمَّا أَنْ يُجِيزُوا جميعا، أو لا يجيزوا جميعا، أو يجيز بعضهم، ويرد بعضهم.
فإن أجازوا جميعا: قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَأَصْلُهَا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ، لِاجْتِمَاعِ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَتَعُولُ بِسَهْمٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ.
وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ. وَكَانَ النَّقْصُ بِسَهْمِ الْعَوْلِ دَاخِلًا عَلَى جَمِيعِهِمْ، كَالْمَوَارِيثِ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لم يخالف أبو حنيفة ولا غيره فيه والله أعلم.
فَصْلٌ:
وَإِنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا بِكُلِّ الْمَالِ رَجَعَتْ إِلَى الثُّلُثِ، وَكَانَ الثُّلُثُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، كَمَا اقْتَسَمُوا كُلَّ الْمَالِ مَعَ الْإِجَازَةِ.
فَيَكُونُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وأبو يوسف، ومحمد، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: أَرُدُّ مِنْ وَصِيَّةِ صَاحِبِ النِّصْفِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، لِيَسْتَوِيَ فِي الْوَصِيَّةِ صَاحِبُ الثُّلُثِ، وَصَاحِبُ النِّصْفِ، وَيَكُونُ الثُّلُثُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ على أحد عشر سهما. لصاحب النِّصْفِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ، اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الزيادة على الثلث، لاستحقاق الورثة لها، فيبطل حُكْمُهَا وَصَارَ كَمَنْ وَصَّى بِمَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ، تمضي الوصية في ماله، وَتُرَدُّ فِي مَالِ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الزِّيَادَةَ على الثلث تَضَمَّنَتْ تَقْدِيرًا وَتَفْضِيلًا، فَلَمَّا بَطَلَ التَّقْدِيرُ، بَطَلَ التفصيل.
وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّهُ أَحَدُ مَقْصُودَيِ الزِّيَادَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ كَالتَّقْدِيرِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ تَفْضِيلَهُمْ فِي كُلِّ الْمَالِ، قَصَدَ تَفْضِيلَهُمْ فِي كل جزء منه قِيَاسًا عَلَى الْغُرَمَاءِ. وَلِأَنَّهُمْ تَفَاضَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَفَاضَلُوا فِي الْعَطِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الْمَالَ عَلَى التَّفَاضُلِ عِنْدَ الْكَمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يَأْخُذُوهُ عَلَى التفاضل عند العجز قياسا على صاحب الثلث والربع، وَلِأَنَّ كُلَّ شَخْصَيْنِ جُعِلَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاضُلِ، لَزِمَ عِنْدَ ضِيقِ الْمَالِ، أَنْ يَتَقَاسَمَاهُ عَلَى التَّفَاضُلِ كَالْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ كانت الوصية بالنصف والثلث مالا والرد مقدر كَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ