للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَنْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَوَاتِ كَالْأَرَاكِ وَالسَّلَمِ، فَقَطْعُهُ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ: قَطْعُهُ حَرَامٌ وَلَكِنْ لَا جَزَاءَ فِيهِ؛ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلَ مَا قتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ، فَلَمَّا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ، وَالشَّجَرُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَجَعَلَ الْجَزَاءَ مِثْلَهُ مِنَ النَّعَمِ، وَالشَّجَرُ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ؛ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَجِبُ فِي الشَّجَرِ؛ وَلِأَنَّ قَطْعَ الشَّجَرِ لَوْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الْحَرَمِ لَكَانَ مَضْمُونًا فِي الْحِلِّ عَلَى الْمُحْرِمِ كَالصَّيْدِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْمُحْرِمِ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فِي الْحَرَمِ، وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ عَنْ مُجَاهِدٍ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: فِي الدَّوْحَةِ إِذَا قُطِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا بقرةٌ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الشَّجَرَةِ بقرةٌ، وَلَيْسَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا مُنِعَ مِنْ إِتْلَافِهِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْجَزَاءُ كَالصَّيْدِ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْجَزَاءَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَلَا تَمَنَعُ مِنْ وُجُوبِهِ فِي غَيْرِ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَأَمَّا شَجَرُ الْحِلِّ فَإِنَّمَا كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ممنوع مِنْ إِتْلَافِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَجَرُ الْحَرَمِ.

فَصْلٌ

: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ مِمَّا غَرَسَهُ الْآدَمِيُّونَ فِي أَمْلَاكِهِمْ، كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالرُّمَّانِ وَالْأُتْرُجِّ، فَقَطْعُ هَذَا مُبَاحٌ، كَالنَّعَمِ الَّتِي يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ قَطَعَهُ مَالِكُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُ مَالِكِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ كَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا:

فَصْلٌ

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ مِمَّا أَنْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمْلَاكِ دُونَ الْمَوَاتِ، فَقَطْعُهُ حَرَامٌ، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ فَإِنْ قَطَعَهُ مالكه كان عليه جزاؤه، فإن قَطَعَهُ غَيْرُ مَالِكِهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ، وَجَزَاؤُهُ لِلْفُقَرَاءِ، كَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا، كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَجَزَاؤُهُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُزَاحِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ كَانَ يَقْطَعُ الدَّوْحَةَ مِنْ دَارِهِ بِالشَّعْبِ وَيَغْرَمُ عَنْ كُلِّ دَوْحَةٍ بَقْرَةً.

فَصْلٌ

: وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَا غَرَسَهُ الْآدَمِيُّونَ فِي الْمَوَاتِ دُونَ الْأَمْلَاكِ، فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا جَزَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ غَرْسِ الْآدَمِيِّينَ فَهُوَ كَالْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ، وَالْحَيَوَانُ الْأَهْلِيُّ لَا جَزَاءَ فِيهِ بِحَالٍ؛ فَكَذَلِكَ غَرْسُ الْآدَمِيِّينَ لَا جَزَاءَ فِيهِ بِحَالٍ، وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>