للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُحْدَثٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَلِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلٍ بِأَمْرٍ مَحْظُورٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ يَمِينًا تُوجِبُ التَّكْفِيرَ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَأَنَا فَاسِقٌ، أَوْ فَعَلَيَّ قَتْلُ نَفْسِي أَوْ وَلَدِي.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ فَهُوَ أَنَّ إِطْلَاقَهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ، لِأَنَّهَا الْيَمِينُ الْمَعْهُودَةُ، فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَعَ ضَعْفِهِ فَهُوَ أَنَّهُ يَكُونُ دَلِيلًا لَنَا أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْنَا؟ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِرْ بِالْحِنْثِ خَارِجًا مِنَ الْإِسْلَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ كَمَا قَالَ: " مَنْ قَتَلَ عَبْدًا قَتَلْنَاهُ ". جَعْلَ الْوَعِيدَ يُوجِبُ يَمِينَهُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ وَجَبَتْ لَأَبَانَهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ تَوْكِيدُ حُرْمَتِهَا، وَحَظْرُ مُخَالَفَتِهَا، فَهُوَ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِهَذِهِ الْيَمِينِ لِحَظْرِهَا وَتَحْرِيمِهَا، وَلِأَنَّ الْحَظْرَ إِنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى التَّلَفُّظِ بِهَا، فَلَمْ يَبْقَ لِلْحَظْرِ، وَالتَّحْرِيمِ حُرْمَةٌ مِنَ الِالْتِزَامِ وَالتَّكْفِيرِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِتَغْلِيظِ الْبَرَاءَةِ مِنَ اللَّهِ، فَهُوَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنَ اللَّهِ كُفْرٌ، وَلَا يَجِبُ بِالْكُفْرِ تَكْفِيرٌ كَالْمُرْتَدِّ وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَأَكْرَهُ الْأَيْمَانَ عَلَى كُلِّ حالٍ إِلَّا فِيمَا كَانَ لِلَهِ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَةً وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يمينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خيرٌ وَيُكَفِّرَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِذَلِكَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ بِاللَّهِ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ عَلَى ماضٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ يَأْتِي.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ عَقْدُهَا، وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا طَاعَةً، وَحَلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا مَعْصِيَةً، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لِأُصَلِّيَنَّ فَرْضِي؟ وَلَأُزَكِّيَنَّ مَالِي، وَلَأَصُومَنَّ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَأَحُجَّنَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فقعدها وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا طَاعَةٌ، لِأَنَّهَا تَأْكِيدٌ لِفِعْلِ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَحَلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا بِأَنْ لَا يُصَلِّيَ وَلَا يُزَكِّيَ، وَلَا يَصُومَ، ولا يحج معصية، لأنه ترك لمفروض، وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَحْظُورًا مُحَرَّمًا كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا زَنَيْتُ وَلَا سَرَقْتُ وَلَا قَتَلْتُ وَلَا شَرِبْتُ خَمْرًا وَلَا قَذَفْتُ محصناً، كَانَ عَقْدُهَا بِاجْتِنَابِ هَذِهِ الْمَعَاصِي طَاعَةً، وَحِلُّهَا بِارْتِكَابِ هَذِهِ الْمَعَاصِي مَعْصِيَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>