للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَلْزَمُهُ دِيَتَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ فِي مَحَلَّيْنِ فَلَزِمَتْ فِيهِمَا دِيَتَانِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ، أَوْ جَدَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ.

(فَصْلٌ)

وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَالْتَوَتْ عُنُقُهُ وَانْعَطَفَ وَجْهُهُ فَصَارَ كَالْمُلْتَفِتِ وَجْهُهُ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ بِحَسَبِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ لَا تَبْلُغُ بِهَا الدِّيَةُ، لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ كَانَ وَجْهُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِالْتِفَاتِ بِهِ كَانَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ حُكُومَةِ انْعِطَافِهِ، لِأَنَّ شَيْنَهُ أَقَلُّ، فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا بَعْضُ كَلَامِهِ لَزِمَهُ مَعَ حُكُومَةِ الْوَجْهِ دِيَةُ مَا ذَهَبَ مِنَ الْكَلَامِ، فَإِنْ أَذْهَبَ جَمِيعَ كَلَامِهِ بِالْتِوَاءِ عُنُقِهِ كَمُلَتْ دِيَةُ الْكَلَامِ وَزِيدَ فِي حُكُومَةِ الِالْتِوَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَضْغِ الطَّعَامِ إِلَّا بِشِدَّةٍ ضُمَّ إِلَى ذَلِكَ حُكُومَةٌ فِي نُقْصَانِ الْمَضْغِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَضْغِ وَلَا يَصِلُ الطَّعَامُ إِلَى جَوْفِهِ إِلَّا بِالْوُجُورِ زِيدَ فِي حُكُومَتِهِ، فإن كان لا ينساغ الطَّعَامُ وَلَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ بِوُجُورٍ وَلَا غَيْرِهِ قِيلَ: هَذَا لَا يَعِيشُ وَيَنْتَظَرُ بِهِ فإن مات وجبت ديته.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ دِيَتُهَا كَدِيَةِ الرَّجُلِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَسَاوِيَهُمَا فِي الْقِصَاصِ يُوجِبُ تَسَاوِيَهُمَا فِي الدِّيَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ اسْتِوَاءَ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يُوجِبُ تَسَاوِيَ الدِّيَةِ فِي الرَّجُلِ والمرأة، لأن الغرة أحد الدِّيَتَيْنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ رِوَايَةُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ " وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وليس بعرف لَهُمْ مُخَالِفٌ فَصَارَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ وَالْقِصَاصُ حَدٌّ، وَالْمَرْأَةُ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي الْحُدُودِ فَسَاوَتْهُ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا تُسَاوِيهِ فِي الْمِيرَاثِ وَتَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْهُ فَلَمْ تُسَاوِهِ فِي الدية،

<<  <  ج: ص:  >  >>