للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْيَتِيمَ يُبَاشِرُ بِمَا دُفِعَ إِلَيْهِ مِنْ يَسِيرِ مَالِهِ الْمُسَاوَمَةَ وَتَقْدِيرَ الثَّمَنِ وَاسْتِصْلَاحَ الْعَقْدِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ لَهُ ذَلِكَ تَوَلَّى الْوَلِيُّ الْعَقْدَ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ الْعَقْدُ مِنْهُ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا صِفَةُ الِاخْتِبَارِ فَقَدْ يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ اخْتِبَارًا لِدِينِهِ وَهُوَ لُزُومُ الْعِبَادَاتِ وَتَجَنُّبُ الْمَحْظُورَاتِ وَتُوَقِّي الشُّبُهَاتِ.

وَالثَّانِي: مَا كَانَ اخْتِبَارًا لِمَالِهِ وَهُوَ التَّوَصُّلُ إِلَى الِاكْتِسَابِ وَالْقَصْدِ فِي الْإِنْفَاقِ.

وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ مُشْتَرِكًا فِي اخْتِبَارِ دِينِهِ وَمَالِهِ وَهُوَ حَالُهُ فِيمَنْ يُصَاحِبُ مِنَ النَّاسِ أَوْ يُخَالِطُ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُولَى عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً.

فَأَمَّا الْغُلَامُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُسْتَبْذَلُ بِدُخُولِ الْأَسْوَاقِ.

أَوْ مِمَّنْ يُصَانُ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْأَسْوَاقَ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي دُخُولِ السُّوقِ الَّتِي تَلِيقُ بِمِثْلِهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ مَالِهِ وَرَاعَى مَا يَكُونُ مِنْ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ.

فَإِنْ كَانَ شَدِيدًا فِيهَا حَسَنَ التَّدْبِيرِ لَهَا لَا يُغْبَنُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ مِنْهُ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُرَاعَى ذَلِكَ مِنْهُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى مِنْهُ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا، فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلِمَ صِحَّةَ قَصْدِهِ فِيهِ كَالْكَلْبِ إِذَا عُلِّمَ فَأَمْسَكَ مَرَّةً لَمْ يَصِرْ مُعَلَّمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ صَارَ قَصْدًا فَصَارَ مُعَلَّمًا. فَإِذَا رَآهُ الْوَلِيُّ مِرَارًا يَمْضِي عَلَى شَاكِلَتِهِ فِي الْقَصْدِ وَصَوَابِ التَّدْبِيرِ وَحُسْنِ التَّقْدِيرِ عَلِمَ رُشْدَهُ فِي الْمَالِ. وَإِنْ رَآهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الْقَصْدِ وَحُصُولِ الْغَبْنِ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فِي الْمَالِ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصَانُ عَنِ الْأَسْوَاقِ فَاخْتِبَارُهُ أَشَدُّ فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ نَفَقَةُ يَوْمٍ ثُمَّ مِنْ بعدها نفقة أسبوع ثم نفقة شهر. ورعاه الْوَلِيُّ فِي تَقْدِيرِهَا وَصَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ ضَيْعَةٍ أَذِنَ لَهُ فِي تَدْبِيرِهَا. فَإِنْ رَآهُ مُصِيبَ الرَّأْيِ فِيهَا وَاضِعًا لِلْأُمُورِ مَوَاضِعَهَا يُقَدِّرُ النَّفَقَةَ عَلَى وَاجِبِهَا عَلِمَ رُشْدَهُ فِي مَالِهِ وَإِنْ رَآهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فِيهِ فَهَذَا اخْتِبَارُ رُشْدِهِ فِي الْمَالِ.

وَأَمَّا اخْتِبَارُ رُشْدِهِ فِي دِينِهِ فَهُوَ بِمُرَاعَاةِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَمُصَاحَبَةِ مَنْ يُخَالِطُ وَيُمَاشِي، فَإِنْ كَانَ مُقْبِلًا عَلَى عِبَادَاتِهِ فِي أَوْقَاتِهَا الرَّاتِبَةِ مُجَانِبًا لِلْمَعَاصِي وَالشُّبُهَاتِ مُمَاشِيًا لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مُحَافِظًا عَلَى مُرُوءَةِ مِثْلِهِ عَلِمَ رُشْدَهُ فِي دِينِهِ.

وَإِنْ كَانَ خِلَافَ هَذَا فَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ فِي الدِّينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>