للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَأُخِذَ الْمُوجِي بِحُكْمِ الْقَتْلِ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَلَمْ تَدْخُلْ دِيَةُ الْجِرَاحِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ قَوَدُ الْجِرَاحِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَفَرُّدُ الْوَاحِدِ وَتَمَيُّزُ الِاثْنَيْنِ.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ بَرِأَتِ الْجِرَاحَاتُ ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْجَارِحِ مُنْفَرِدًا وَمَا عَلَى الْقَاتِلِ مُنْفَرِدًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ إِذَا انْدَمَلَتْ وَبَرِأَتِ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، فَإِذَا طَرَأَ بَعْدَهَا الْقَتْلُ لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ، لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمُسْتَقِرَّةَ لَا تَسْقُطُ بِحُقُوقٍ مُسْتَجَدَّةٍ كَالدُّيُونِ وَالْحُدُودِ، فَيَسْتَوْفِي قَوَدَ الْجِرَاحِ وَدِيَتَهَا وَقَوَدَ النَّفْسِ وَدِيَتَهَا، وَلَا يَدْخُلُ دِيَةُ الْجِرَاحِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ قَوَدُ الْجِرَاحِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ، وَسَوَاءٌ كَانَا مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَنْدَمِلْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِقْرَارِ، فَلَوِ انْدَمَلَ بَعْضُ الْجِرَاحِ وَبَقِيَ بَعْضُهَا حَتَّى طَرَأَتِ التَّوْجِيَةُ سِوَى فِيمَا انْدَمَلَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَفَرَّقَ فِيمَا لَمْ يَنْدَمِلْ بين الواحد والاثنين.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ تَدَاوَى الْمَجْرُوحُ بِسُمٍّ فَمَاتَ أَوْ خَاطَ الْجُرْحَ فِي لَحْمِ حَيٍّ فَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتِ الْخِيَاطَةُ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَالدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي التَّدَاوِي بِسُمٍّ.

وَالثَّانِي: فِي خِيَاطَةِ الْجِرَاحِ.

فَأَمَّا التَّدَاوِي بِالسُّمِّ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ قَاتِلًا مُوجِبًا فِي الْحَالِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ قَاتِلًا يَتَأَخَّرُ قَتْلُهُ عَنِ التَّوْجِئَةِ فِي الْحَالِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا كَانَ قَاتِلًا فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنْ جَازَ أَلَّا يُقْتَلَ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا كَانَ غَيْرَ قَاتِلٍ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقْتَلَ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْقَاتِلُ الْمُوجِي فِي الْحَالِ، فَهَذَا هُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ بِالتَّوْجِيَةِ بَعْدَ جُرْحِهِ بِالْجِنَايَةِ، فَيَسْقُطُ عَنِ الْجَارِحِ حُكْمُ النَّفْسِ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ الْجُرْحِ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، فَالْجَارِحُ إِذَا تَعَقَّبَهُ قَاتِلٌ مُوجٍ وَسَوَاءٌ تَدَاوَى بِهِ الْمَجْرُوحُ عَالِمًا بِحَالِهِ أَوْ جَاهِلًا شُرْبَهُ، أَوْ طِلَاءَهُ عَلَى ظَاهِرِ جَسَدِهِ إِذَا كَانَ مُوجِيًا فِي الحالين.

<<  <  ج: ص:  >  >>