للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِنَفْيِ الْوَلَدِ كَالَّذِي لَمْ يَطَأْ، لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ فِي الْحَالَتَيْنِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفِيَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ بِاللِّعَانِ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ يَلْحَقُ بِالِاسْتِدْلَالِ لِإِمْكَانِ الْإِصَابَةِ، فَجَازَ أَنْ يُنْفَى بِالِاسْتِدْلَالِ لِإِمْكَانِ الزِّنَا، وَخَالَفَ وَلَدُ الْأَمَةِ حِينَ لَمْ يَلْحَقْ إِلَّا بِالْإِصَابَةِ فَلَمْ يَنْتَفِ إِلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْإِصَابَةِ، فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ مِنَ الزِّنَا إِذَا لَمْ يَطَأْ وَلَا يَعْلَمُ إِذَا وَطِئَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنَ الْوَطْءِ وَهِيَ حَائِلٌ، وَقَدْ يَطَأُ وَهِيَ حَامِلٌ، فَكَانَ الْعِلْمُ فِي الْحَالَيْنِ مُمْتَنِعًا، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى الْأَمَارَاتِ، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الرَّحِمِ مَاؤُهُ وَمَاءُ الزِّنَا مِنْ أَيْنَ تُرَجِّحُ لَهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ أَنَّهُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا.

قِيلَ: قَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْفِيهِ مَعَ اخْتِلَاطِ الْمَائَيْنِ.

وَهُوَ خَاصُّ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِتَرَجُّحِهِ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا: أَنَّ الذَّكِيَّ الْفَطِنَ مِنَ الرِّجَالِ يُحِسُّ بِالْعُلُوقِ عِنْدَ الْإِنْزَالِ إِنْ كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ مِنْ نَفْيِهِ أَنَّهُ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ بِهِ وَمِنْهُ أَنْ يَرَى مَنْ بِهِ الْوَلَدُ بِالزَّانِي مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِمَارَاتِ الدَّالَّةِ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ التَّرْجِيحُ وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا إِذَا تَحَقَّقَ الزِّنَا، وَأَمَّا اسْتِشْهَادُهُ بِاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ فِي نَفْيِ وَلَدِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُنْفَى مِنْهَا إِلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَلِذَلِكَ كَانَ شَرْطًا، وَوَلَدُ الْحُرَّةِ يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَمْ يَكُنْ فِي نفيه شرطاً.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ زَنَتْ بَعْدَ الْقَذْفِ أَوْ وَطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَ وَلَدًا فَيَلْتَعِنَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ على صدقه (قال المزني) رحمه الله كَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ وَالْوَقْتُ الَّذِي رَمَاهَا فِيهِ كَانَتْ فِي الْحُكْمِ غَيْرَ زَانِيَةٍ؟ وأصل قوله إنما ينظر في حال من تكلم بالرمي وهو في ذلك في حكم من لم يزن قط)) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي قَاذِفِ الزِّنَا وَجَبَ الحد عليه فلم يحد حتى زنا الْمَقْذُوفُ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنِ الْقَاذِفِ بِمَا حَدَثَ مِنْ زِنَا الْمَقْذُوفِ.

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الْمُزَنِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْوُجُوبِ لَا بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَذَفَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ قَذَفَ مُسَلِمًا فَارْتَدَّ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ اعْتِبَارًا بِحَالِ الوجوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>