لِأَنَّ يَمِينَ الرَّدِّ غَيْرُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، لِاخْتِلَافِ السَّبَبَيْنِ، وَافْتِرَاقِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ سُقُوطُ إِحْدَاهُمَا مُوجِبًا لِسُقُوطِ الْأُخْرَى.
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِنُكُولِ الْمُنْكِرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الْيَمِينِ بِالنُّكُولِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَحْلِفُ تَعْلِيلًا بِاخْتِلَافِهَا في السبب والمعنى.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَا أَحْلِفُ لَمْ أَجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ لِأَنِّي قَدْ أَبْطَلْتُ أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْتُ الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَقُلْنَا: إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْيَمِينِ وَجَبَ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعِي، فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى الْيَمِينِ بَعْدَ نُكُولِهِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ، وَكَانَ الْمُدَّعِي أَحَقَّ بِالْيَمِينِ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّهَا بِنُكُولِ خَصْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْخَصْمِ إِبْطَالُهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوِ امْتَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَاسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ لِسُقُوطِ الدَّعْوَى عَنْهُ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ كَانَ لَهُ، وَأَسْقَطَ بِهَا يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهَلَّا كَانَا سَوَاءً؟
قِيلَ: لَا يَسْتَوِيَانِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَجُوزُ أَنْ تُقَامَ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَكَانَ إِقَامَتُهَا قَبْلَ يَمِينِهِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالْبَيِّنَةَ مَعًا حَقٌّ لِلْمُدَّعِي، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِذَا تَقَدَّمَتِ الْيَمِينُ، وَلَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِذَا قَدَّمَ البينة.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ أُحْلِفُهُ مَا اشْتَرَيْتَ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لَمْ أُحْلِفْهُ إِلَّا مَا لِهَذَا وَيُسَمِّيهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ حَقٌّ بِمِلْكٍ وَلَا غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُهَا وَتَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ مَضَى نَظَائِرُهَا فِي جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَبْلُ: وَقُلْتُ: فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَارًا فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْإِنْكَارِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: مَا لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ يَقُولَ: مَا اشْتَرَاهَا مِنِّي.
فَإِنْ كَانَ جَوَابُ إِنْكَارِهِ أَنَّهُ مَا لَهُ فِيهَا حَقُّ تَمْلِيكٍ، وَلَا غَيْرِهِ كَانَ جَوَابُهُ مُقْنِعًا،