للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب كيف اللعان) من كتاب اللعان والطلاق وأحكام القرآن)]

قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَمَّا حَكَى سَهْل شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر رضي الله عنهما اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا بمحضر من طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمراً يريد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله تعالى في الزانيين {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} وفي حكاية من حكى اللعان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جملة بلا تفسير دليل على أن الله تعالى لما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لاعن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بين المتلاعنين بما حكى الله تعالى في القرآن ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي تَغْلِيظِ اللِّعَانِ بِحُضُورِ الَّذِينَ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الدَّلِيلِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ الَّتِي يَخْفَى أَثَرُهَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ كَحَدِّ الزِّنَا، وَالْقَذْفِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا، كَانَ أَقَلَّ مَنْ شَهِدَ حَدَّهُ أَرْبَعَةٌ، وَمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ كَالْقَذْفِ، فَالشَّاهِدَانِ أَقَلُّ مَنْ يَحْضُرُ اسْتِيفَاؤهُ، فَأَمَّا مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْقَطْعِ فِي السرقة، فليس يؤمر في استيفاؤه بحضور الشهود، لأن شواهد استيفاؤه تُغْنِي عَنِ الشَّهَادَةِ. وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً أَشَارَ إِلَيْهَا، وَهَلْ يَحْتَاجُ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ مَعَ ذِكْرِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَالشَّهَادَةِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لِمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ مِنَ الزِّنَا، فَيَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَى شَرْطَيْنِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْإِشَارَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَاجُ مَعَ ذِكْرِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى شَرْطٍ ثَالِثٍ هُوَ الِاسْمُ دُونَ النَّسَبِ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لِمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتَيْ فُلَانَةً هَذِهِ مِنَ الزِّنَا لِيَتَوَجَّهَ اللِّعَانُ إِلَى حَاضِرٍ مُسَمًّى، لِأَنَّهُ لا يحضر معها من يجوز أن تنصرف الإشارة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>