أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِهَا، لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُفْضِي إِلَى لُزُومِ عِتْقِهِ كَامِلًا بِحِصَّتِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، لَا تَقُومُ عَلَيْهِ حِصَّةُ الشَّرِيكِ، لِأَنَّهُ كَالْعَازِمِ عَلَى عِتْقِهِ، وَهُوَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ بَاقٍ عَلَى أَحْكَامِ رِقِّهِ، فَإِذَا قِيلَ بِالْأَوَّلِ إنَّهُ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ الشَّرِيكِ فَفِيهَا بَعْدَ التَّقْوِيمِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَكُونُ رِقًّا قِنًّا، وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِالسِّرَايَةِ، حَتَّى يُدَبِّرَهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي التَّقْوِيمِ إِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنِ الشَّرِيكِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ الْحِصَّةُ الَّتِي دَبَّرَهَا، وَفِي سِرَايَةِ عِتْقِهِ إِلَى بَاقِيهِ وَجْهَانِ:
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، إنَّهَا تَصِيرُ مُدَبَّرَةً بِسِرَايَةِ التَّدْبِيرِ إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِتَدْبِيرِهَا، فَيَكُونُ جَمِيعُهُ مُدَبَّرًا.
وَإِذَا قِيلَ بِالثَّانِي: إنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَى مَنْ دَبَّرَ حِصَّتَهُ مَنْ لَمْ يُدَبِّرْ، كَانَ نِصْفُهُ مُدَبَّرًا، وَنِصْفُهُ رِقًّا قِنًّا.
فَإِنْ عَجَّلَ الْمُدَبَّرُ عِتْقَ حِصَّتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، قُوِّمَتْ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ غَيْرُ الْمُدَبَّرِ حِصَّتَهُ عَتَقَتْ وَفِي تَقْوِيمِ الْحِصَّةِ الْمُدَبَّرَةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ قَالَا: إِذَا مُتْنَا فأنت حر لم يعتق حصة واحدة مِنْهُمَا إِلَّا بِمَوْتِهِمَا، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الْقَوْلِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ تَقَدَّمَ فِيهِ أَحَدُهَا عَلَى الْآخَرِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَّقَ عِتْقَ حِصَّتِهِ بِصِفَتَيْنِ هُمَا: مَوْتُهُ وَمَوْتُ شَرِيكِهِ، فَلَمْ يُعْتَقْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ مَوْتَهُ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ فِي عِتْقِهِ، وَكَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ عَنْ وَصِيَّتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ بِتَدْبِيرٍ يَقَعُ بِالْمَوْتِ إِنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مَوْتُهُمَا مِنْ أَنْ يَخْتَلِفَ، أَوْ يَتَّفِقَ. فَإِنِ اتَّفَقَ مَوْتُهُمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَتَقَ عَلَيْهِمَا وَفِي حُكْمِ عِتْقِهِ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَتَقَ عَلَيْهِمَا تَدْبِيرًا، لِاتِّصَالِ عِتْقِهِ بِمَوْتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَتَقَ عَلَيْهِمَا وَصِيَّةً لَا تَدْبِيرًا، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ مَا تَفَرَّدَ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، تَعَيَّنَ فِيهِ عِتْقُ حِصَّتِهِ بِالْوَصِيَّةِ، وَلَمْ تُعْتَقْ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَكَانَ عِتْقُهَا مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ شَرِيكِهِ، وَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ لِوُقُوعِهِ بِمَوْتِهِ، وَمُنِعَ وَرَثَةُ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمَوْتِ مِنْ بَيْعِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحُكْمِ بَاقِيًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute