للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّبْغُ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الصَّبْغِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ لِلْغَاصِبِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ فَجُعِلَ لَهُ فِي الْأَصْبَاغِ كُلِّهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْغَاصِبِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ إِنْ شَاءَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَصْبُوغًا إِنْ شَاءَ لَكِنْ إِنْ كَانَ الصَّبْغُ سَوَادًا فَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَوْنًا غَيْرَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ لما خَصَّ السَّوَادَ بِإِسْقَاطِ الْقِيمَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْلَافِ أَجْزَاءِ الثَّوْبِ. وَقَالَ آخَرُونَ، بَلْ قَالَهُ فِي آخِرِ الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ حِينَ كَانَ السَّوَادُ نَقْصًا وَلَوْنًا مَذْمُومًا فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ صَارَ شِعَارَ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ وَزِيَادَةً فِي الثَّوْبِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْوَانِ فَلَا، وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَتَعْلِيلٌ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّوَادِ لِأَنَّ مِنَ الْأَلْوَانِ مَا قَدْ يَكُونُ نَقْصًا تَارَةً وَتَارَةً أُخْرَى زِيَادَةً، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ عَامًّا فِي اعْتِبَارِ النَّقْصِ وَزِيَادَتِهِ، وَلَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِالسَّوَادِ دُونَ غَيْرِهِ. فَأَمَّا تَمْلِيكُ الْغَاصِبِ الثَّوْبَ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ فَخَطَأٌ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ قِيمَتِهَا مِنَ الْغَاصِبِ قِيَاسًا عَلَيْهِ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَصْبُوغٍ وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ قَبْلَ صَبْغِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَعْدَ صَبْغِهِ كَالْآجُرِّ، وَلِأَنَّ الصَّبْغَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا أَوْ غَيْرَ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ نَقْصًا ضَمِنَهُ لَا غَيْرَ كَالْمُتَمَيِّزِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْصًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّبْغُ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ، فَلِلْغَاصِبِ وَرَبِّ الثَّوْبِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَرْكِهِ فِي الثَّوْبِ وَبَيْعِهِ مَصْبُوغًا فَيَجُوزُ وَيَكُونُ الْقَوْل فِيهِ بَعْدَ بَيْعِهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ صَبْغِهِ. والحال الثاني: أن يتفقا على استخراجه منه فلذلك جَائِزٌ لِيَصِلَ الْغَاصِبُ إِلَى صَبْغِهِ وَرَبُّ الثَّوْبِ إِلَى ثَوْبِهِ، فَإِنِ اسْتَخْرَجَهُ وَأَثَّرَ فِي الثَّوْبِ نقصاً ضمنه به. والحال الثالث: أَنْ يَدْعُوَ الْغَاصِبُ إِلَى اسْتِخْرَاجِهِ وَيَدْعُوَ رَبُّ الثَّوْبِ إِلَى تَرْكِهِ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَخْرِجَهُ سَوَاءٌ نَفَعَهُ أَوْ لَمْ يَنْفَعْهُ لِأَنَّهَا عَيْنٌ فَمَلِكَهَا وَالْأَعْيَانُ الْمَمْلُوكَةُ لَا يُقْهَرُ مُلَّاكُهَا عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ضَامِنًا لِنَقْصِ الثَّوْبِ وَنَقْصِ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ بِدُخُولِ الصَّبْغِ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ قَدْ مَلَكَهَا فَفَوَّتَهَا الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِاسْتِخْرَاجِ صَبْغِهِ، مِثَالُهُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ عشرة وقيمة الصبغ عشرة فيساوي الثوب مصبوغا ثَلَاثِينَ، وَبَعْدَ اسْتِخْرَاجِ الصَّبْغِ مِنْهُ خَمْسَةً، فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ عَشَرَةً خَمْسَةً مِنْهَا هِيَ نَقْصُ الثَّوْبِ قَبْلَ صَبْغِهِ، وَخَمْسَةً أُخْرَى هِيَ نَقْصُ قِسْطِهِ من الزيادة الحادثة بعد صبغه.

والحال الرابع: أَنْ يَدْعُوَ رَبُّ الثَّوْبِ إِلَى اسْتِخْرَاجِهِ وَيَدْعُوَ الْغَاصِبُ إِلَى تَرْكِهِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتْرُكَهُ اسْتِبْقَاءً لِمِلْكِ الصَّبْغِ فِيهِ، فَيُنْظَرُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الصَّبْغُ قَدْ أَحْدَثَ زِيَادَةً تَفُوتُ بِاسْتِخْرَاجِ الصَّبْغِ مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>