فِي غَيْرِ كَفَّارَةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَاقِصَ الْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَإِنْ كَانَ فِي كَفَّارَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمَنَافِعِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْعُيُوبِ مَا يُجْزِئُ كَالْبَرْصَاءِ وَالْحَمْقَاءِ وَالْقَبِيحَةِ وَالْمَقْطُوعَةِ الْخِنْصَرِ أَوِ الْبِنْصِرِ، وَأَنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ وَالْمُقْعَدَةُ وَالْمَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَدَلَّنَا ذَلِكَ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ رَاعَوْا مَا أَثَّرَ فِي الْعَمَلِ وَلَمْ يُرَاعُوا مَا أَثَّرَ فِي الْأَثْمَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعَبِيدِ هُوَ الْعَمَلُ لِأَنَّهُمْ مُرْصَدُونَ لِخِدْمَةٍ أَوْ تَكَسُّبٍ وَالنُّقْصَانُ مِنْ مَقْصُودِ الشَّيْءِ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْبَيْعِ لَمَّا كَانَ مَقْصُودُهُ الثَّمَنَ كَانَ مَا أَثَّرَ فِي نُقْصَانِهِ عَيْبًا يُوجِبُ الْخِيَارَ وَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا وَلَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ الْخِيَارُ كَالنِّكَاحِ لَمَّا كَانَ مَقْصُودُهُ الِاسْتِمْتَاعَ كَانَ مَا أَثَّرَ فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ مُوجِبًا لِلْخِيَارِ وَمَا يُؤَثِّرْ فِيهِ لَمْ يُوجِبْهُ كَذَلِكَ الْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ لَمَّا كَانَ مَقْصُودُهُ تَمْلِيكَ الْعَمَلِ كَانَ مَا أَثَّرَ فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ مَانِعًا مِنَ الْإِجْزَاءِ وَمَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ أَجْزَأَ، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ أَنَّ كُلَّ عيب أضرب بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا مَنَعَ مِنَ الْإِجْزَاءِ فِي الْكَفَّارَةِ وَمَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْإِجْزَاءِ فِيهَا.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا اسْتَقَرَّ مَا أَصَّلْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَمِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعِتْقِ الْعَمَى لِأَنَّهُ مِنْ أَبْلَغِ النَّقْصِ فِي الْإِضْرَارِ بِالْعَمَلِ فَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ فَأَمَّا الْحَوْلَاءُ وَالْعَمْشَاءُ وَالْعَوْرَاءُ فَتُجْزِئُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُضِرٍّ بِالْعَمَلِ فَأَمَّا ضَعْفُ الْبَصَرِ فَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَإِثْبَاتِ الْوُجُوهِ الْقَرِيبَةِ مَنَعَ مِنَ الْإِجْزَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَ.
وَأَمَّا نَقْصُ الْأَطْرَافِ فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَى يَدَيْهِ مَقْطُوعَةً أَوْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ لَمْ تُجْزِهِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِيهِ وَهَكَذَا يَقُولُ فِيمَنْ قُطِعَتْ إِحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ خِلَافٍ أَجْزَأَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ لَمْ تُجْزِهِ لِأَنَّ ذَهَابَ أَحَدِ الْعُضْوَيْنِ لَمْ يُسْقِطْ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ فَأَجْزَأَ كَالْعَوْرَاءِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ قَطْعَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ مُضِرٌّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الْإِجْزَاءِ كَقَطْعِهِمَا مَعًا، وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مُوَافِقٌ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْإِبْهَامَيْنِ يَمْنَعُ مِنَ الْإِجْزَاءِ فَقَطْعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ وَفِيهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى الْإِبْهَامَيْنِ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الْإِجْزَاءِ، فَأَمَّا الْعَوَرُ فَأَجْزَأَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بِالْعَمَلِ وَلَا مُؤَثِّرٍ فِيهِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِبَقَاءِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ يَفْسُدُ عَلَيْهِ بِقَطْعِ إِحْدَى اليدين والرجلين من شق [واحد] .
وَأَمَّا قَطْعُ الْأَصَابِعِ فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ الْإِبْهَامِ أَوِ السَّبَّابَةِ أَوِ الْوُسْطَى فَقَطْعُ إِحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ مَانِعٌ مِنَ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَأْثِيرًا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute