للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: أن كُلَّ قَبْضٍ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ مَضْمُونًا وَقَعَ مِنَ الْمَالِكِ مَضْمُونًا كَالْغَصْبِ طَرْدًا وَالْوَدِيعَةِ عَكْسًا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُسْتَعَارٌ فَوَجَبَ أن يكون مضموناً على المستعير كالمغصوب قياساً على المستعير من الغاصب. فأما الجواب عن قوله لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ التالفة بالاستعمال، وهذا إن كَانَ تَخْصِيصًا فَلِمَا عَارَضَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُخَصِّصَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُغِلَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ بِمَأْخُوذٍ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالْغُلُولُ إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنِ اسْتِغْلَالِ الْغَلَّةِ. يُقَالُ: قَدْ أَغَلَّ فَهُوَ مُغِلٌّ إِذَا أَخَذَ الْغَلَّةَ. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى:

(فَتَغْلُلْ لَكُمْ مَا لَا تُغِلُّ لِأَهْلِهَا ... قُرًى بِالْعِرَاقِ مِنْ قفيزٍ وَدِرْهَمِ)

فَيَكُونُ معنى الخبر لا ضمان على المستغير غَيْرِ الْمُغِلِّ أَيْ غَيْرِ الْقَابِضِ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ مُسْتَغِلًّا وَهَذَا صَحِيحٌ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُئِلَ أَعَارِيَةً مَضْمُونَةً أَوْ عَارِيَةً مُؤَدَّاةً فَقَالَ بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ فَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَعَارِيَةً مَضْمُونَةً بِالْبَدَلِ أَوْ مُؤَدَّاةَ الْعَيْنِ اسْتِعْلَامًا لِحُكْمِهَا هَلْ تُوجَدُ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ وَالْمُعَاوَضَةِ أَوْ عَلَى طَرِيقِ الرَّدِّ وَالْأَدَاءِ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا مُؤَدَّاةُ الْعَيْنِ لَا يَمْلِكُهَا الْآخِذُ بِالْبَدَلِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلضَّمَانِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى تَلَفِ الْأَجْزَاءِ فَهُوَ أَنَّ تَلَفَ الْأَجْزَاءِ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ مَضْمُونٌ كَالْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا تَلفهَا بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَالثَّوْبِ الْمُسْتَعَارِ إِذَا بَلِيَ بِاللَّبْسِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ ضَمَانُهُ وَالْعَارِيَةُ تَلِفَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ وَرِضَاهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي إِتْلَافِهَا لَسَقَطَ عَنْهُ ضَمَانُهَا كَالْأَجْزَاءِ وَلَوْ تَلِفَتِ الْأَجْزَاءُ بِغَيْرِ اللَّبْسِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَالثَّوْبِ إِذَا نَقَلَ فِيهِ تُرَابًا أَوْ شَدَّ فِيهِ مَتَاعًا ضَمِنَ كَالْعَارِيَةِ فَصَارَتِ الْأَجْزَاءُ وَالْجُمْلَةُ عَلَى سَوَاءٍ فَفِيهِ جَوَابٌ عَنِ الْقِيَاسَيْنِ مَعًا وَاللَّهُ أعلم بالصواب.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ ضَمَانِهَا فَلَا يَخْلُو حَالُهَا إِذَا تَلِفَتْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا مِثْلٌ أَوْ لَا يَكُونُ لَهَا مِثْلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ ضَمِنَهَا بِالْقِيمَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّلَفِ لِسُقُوطِ ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ التَّالِفَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>