رَدَّ دِيَتِهِ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ عَوْدَ السِّنِّ يُوجِبُ رَدَّ دِيَتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عَوْدِ اللِّسَانِ هَلْ يُوجِبُ رَدَّ دِيَتِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: يُوجِبُ نَبَاتُ اللِّسَانِ رَدَّ دِيَتِهِ كَمَا أَوْجَبَ عَوْدُ السِّنِّ رَدَّ دِيَتِهَا، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَأُسْقِطَ اسْتِدْلَالُ الْمُزَنِيِّ، فَعَلَى هَذَا يُسْتَبْقَى قَدْرُ الْحُكُومَةِ فِي قَطْعِ الْأَوَّلِ وَجْهًا وَاحِدًا وَرُدَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا تُرَدُّ دِيَةُ اللِّسَانِ وَإِنْ رَدَّ دِيَةَ السِّنِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي جِنْسِ السِّنِّ مَا يَعُودُ فِي الْغَالِبِ فَأُلْحِقَ بِهِ النَّادِرُ، وَلَيْسَ فِي جِنْسِ اللِّسَانِ مَا يَعُودُ فَصَارَ جَمِيعُهُ نَادِرًا، وَلِذَلِكَ وُقِفَ سِنُّ الصَّغِيرِ دُونَ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يُوقَفْ لِسَانُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَافْتَرَقَا وَاللَّهُ أعلم.
[(مسألة)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَالْأَسْنَانُ الْعُلْيَا فِي عَظْمِ الرَّأْسِ وَالسُّفْلَى فِي اللَّحْيَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ فَفِي اللَّحْيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِ سِنٍّ مِنْ أَسْنَانِهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَسْنَانُ الْفَمِ فَأَعْلَاهَا فِي عَظْمِ الرَّأْسِ وَأَسْفَلُهَا فِي اللَّحْيَيْنِ، وَاللَّحْيَانِ يَجْتَمِعُ مُقَدَّمُهُمَا فِي الذَّقْنِ وَمُؤَخَّرُهُمَا فِي الْأُذُنِ، فَإِنْ قَلَعَ الْأَسْنَانَ مَعَ بَقَاءِ اللَّحْيَيْنِ كَانَ فِي كُلِّ سِنٍّ مِنْهَا خَمْسٌ من الإبل إذا لم ترد عَلَى الْعِشْرِينَ سِنًّا، وَيُسْتَكْمَلُ فِي الْعِشْرِينَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَبَلَغَتِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سِنًّا وَهِيَ غَايَةُ الْأَسْنَانِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنْ قَلَعَهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَانَ فِي كُلِّ واحد منهما خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَيَجْتَمِعُ فِي جَمِيعِهَا مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا، وَإِنْ قَلَعَ جَمِيعِهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ مَا يُجَانَسُ فِي الْبَدَنِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَعْدَادِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الدِّيَةِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَطْرَافِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ مِنْهُمَا خَمْسٌ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ، لِأَنَّ لِكُلِّ سِنٍّ مِنْهَا حُكْمَهَا، وَلَيْسَتْ بَعْضُهَا تَبَعًا لِبَعْضٍ، وَكَمَا لَوْ قَلَعَهَا مُتَفَرِّقًا، فَأَمَّا اللَّحْيَانِ إِذَا قَلَعَهُمَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا أَسْنَانٌ أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عليها أَسْنَانٌ إِمَّا فِي طِفْلٍ لَمْ تَطَلِعْ أَسْنَانُهُ أَوْ فِي شَيْخٍ قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ فَفِيهَا الدِّيَةُ، لِمَا فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْجَمَالِ وَعِظَمِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَنَّ ذَهَابَهَا أَخْوَفُ عَلَى النَّفْسِ وَأَسْلَبُ لِلْمَنَافِعِ مِنَ الْأُذُنِ، فَكَانَ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ أَوْلَى، فَإِنْ قَلَعَ أَحَدَ اللَّحْيَيْنِ وَتَمَاسَكَ الْآخَرُ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّهَا لَمَّا كَمُلَتْ فِيهَا نُصِّفَتْ فِي أَحَدِهِمَا كَالْيَدَيْنِ.
فَأَمَّا الْقَوَدُ فَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ سَقَطَ، وَإِنْ كَانَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute