فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ طَالِبًا وَمَطْلُوبًا لِتَحَاكُمِهِمَا فِي قِسْمَةِ مِلْكٍ أَوِ اخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمِنِ مَبِيعٍ أَوْ قَدْرِ صَدَاقٍ يُوجِبُ تَحَالُفُهُمَا فِيهِ عُمِلَ عَلَى قَوْلِ مَنْ دَعَا إِلَى أَقْرَبِ الْقَاضِيَيْنِ إِلَيْهِمَا.
فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيُعْمَلُ بِقَوْلِ مَنْ قُرِعَ مِنْهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْطَعُ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى الرِّضَا بِأَحَدِهِمَا.
وَإِذَا قُلِّدَ الْقَاضِي جَمِيعَ الْبَلَدِ لِيَنْظُرَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ أَوْ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهُ أَوْ فِي جَامِعِهِ لَمْ يَصِحَّ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ، وَكَانَ التَّقْلِيدُ بَاطِلًا إِنْ جُعِلَ ذَلِكَ شَرْطًا فِيهِ كَقَوْلِهِ قَلَّدْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْظُرَ فِيهِ لِتَنَافِي حُكْمِ الشَّرْطِ وَالْإِطْلَاقِ.
وَإِنْ خَرَجَ عَنِ الشَّرْطِ إِلَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: قَلَّدْتُكَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ فَانْظُرْ فِي جَامِعِهَا صَحَّ التَّقْلِيدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ جُلُوسِهِ.
وَلَكِنْ لَوْ قَالَ، قَلَّدْتُكَ عَلَى أَنْ تَحْكُمَ فِي الْجَامِعِ بَيْنَ مَنْ جَاءَكَ فِيهِ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ فِي غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِأَنَّ جَعْلَ الْوِلَايَةِ مَقْصُورَةٌ هَاهُنَا عَلَى مَنْ جَاءَ الْجَامِعَ وَهُمْ لَا يَتَعَيَّنُونَ إِلَّا فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ في غيره لخروجهم من ولايته.
[(فصل: تحديده بالأشخاص)]
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّقْلِيدُ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْبَلَدِ دُونَ جَمِيعِهِمْ فَيَجُوزُ إِذَا تَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ، فَيَقُولُ قَلَّدْتُكَ لِتَقْضِيَ بِالْبَصْرَةِ بَيْنَ الْعَرَبِ دُونَ الْعَجَمِ وَيُقَلِّدُ آخَرَ الْقَضَاءَ بَيْنَ الْعَجَمِ دُونَ الْعَرَبِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَاضِيَيْنِ وَالِيًا عَلَى مَنِ اخْتَصَّ بِنَظَرِهِ.
فَلَا يَجُوزُ لِقَاضِي الْعَرَبِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْعَجَمِ وَلَا لِقَاضِي الْعَجَمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ مَنْ لَيْسَ مِنَ الْعَرَبِ وَلَا مِنَ الْعَجَمِ كَالنَّبَطِ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ نَظَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ عَرَبِيُّ النَّسَبِ عَجَمِيُّ اللِّسَانِ وَعَجَمِيُّ النَّسَبِ عَرَبِيُّ اللِّسَانِ، اعْتُبِرَتْ شَوَاهِدُ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ النَّسَبِ دُونَ اللِّسَانِ أَوِ اللِّسَانِ دُونَ النَّسَبِ عُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إِرَادَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ دُونَ اللِّسَانِ لِأَنَّ النَّسَبَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ وَاللِّسَانُ صِفَةٌ زَائِلَةٌ.
فَإِنْ كَانَ فِي الْعَجَمِ مُوَالٍ لِلْعَرَبِ فَفِي أَحَقِّ الْقَاضِيَيْنِ بِالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِمْ وَجْهَانِ