فَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِلَّا بِالْعَقْدِ وَالِافْتِرَاقِ، فَهَلْ تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي غَيْرِ مِلْكٍ.
وَإِنِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، صَحَّ الْفَسْخُ وَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بَعْدَ الْفَسْخِ كَيْفَ شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهِ بِرَقَبَتِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى حُرِّيَّةِ وَلَدِهَا، كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، إِذَا صَارَتِ الْأَمَةُ الْمَرْهُونَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلرَّاهِنِ. وَإِنْ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي فِيمَا بَعْدُ، فَإِنْ قِيلَ: إنه قد كان مَلَكَهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، صَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا إِلَّا بِالْعَقْدِ وَالِافْتِرَاقِ، أَوْ قِيلَ: إِنَّ الْمِلْكَ مُرَاعًى، فَهَلْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي غَيْرِ مِلْكٍ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي، فَوَطِئَهَا، فَأَحْبَلَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ.
فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ قَوْمٌ، وَقَالُوا: إِحْبَالُهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ مُسْتَحِيلٌ.
وَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ.
وَلَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي غَفْلَةٍ مِنَ الْبَائِعِ فَأَحْبَلَهَا، وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ، فَقَدَّمَ لَفْظَ الْإِحْبَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى مُؤَخَّرًا.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَالِهِ لَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ، وَمَعْنَاهُ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْبَالَ يَقَعُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ عَنِ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ ظُهُورُهُ، وَلَيْسَ تَأَخُّرُ ظُهُورِهِ بِمَانِعٍ مِنْ حُصُولِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي غَفْلَةٍ مِنَ الْبَائِعِ: فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شَرْطٌ فِي بَقَاءِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ رَآهُ الْبَائِعُ يَطَأُ كَانَ رِضًا مِنْهُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَقَطْعًا لِخِيَارِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَحِقُّ بِخِيَارِهِ مَنْعَ الْمُشْتَرِي مِنَ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا رَآهُ يَتَصَرَّفُ، فَأَمْسَكَ عَنْ مَنْعِهِ، كَانَ رَاضِيًا بِهِ، فَبَطَلَ خِيَارُهُ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ قال ذلك لتحقيق صورة المسألة، إذ بعيد فِي الْعَادَةِ أَنْ يَطَأَ النَّاسُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، فَأَحَبَّ أَنْ يُصَوِّرَهَا عَلَى مَا يَصِحُّ وُجُودُهَا فِي الْعُرْفِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَرْطًا فِي خِيَارِ الْبَائِعِ، وَلَا تَكُونُ رُؤْيَةُ الْبَائِعِ وَعَدَمُ إِنْكَارِهِ قَطْعًا لِخِيَارِهِ، لِأَنَّ الرِّضَا لَا يَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ فِعْلِ الْغَيْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا وَطْءُ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ يَكُونُ قَاطِعًا لِخِيَارِهِ وَرِضًا مِنْهُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: يَكُونُ قَاطِعًا لِخِيَارِهِ كَوَطْءِ الْبَائِعِ.