للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: كَانَ لِي زَوْجٌ يُقِلُّ عَلَيَّ الْخَيْرَ إِذَا حَضَرَ، وَيَحْرِمُنِي إِذَا غَابَ، قَالَتْ: وَكَانَتْ مِنِّي زَلَّةٌ يَوْمًا، فَقُلْتُ: أَخْلَعُ مِنْكَ بِكُلِّ شَيْءٍ أَمْلِكُهُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ فَخَاصَمَ عَنِّي مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَجَازَ الْخُلْعَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا دُونَ عِقَاصِ الرَّأْسِ.

وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى سَمُرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ نَاشِزٍ فَأَمَرَ بِهَا إِلَى بَيْتٍ كَثِيرِ الزَّبَلِ فَحَبَسَهَا فِيهِ ثَلَاثًا ثُمَّ دَعَاهَا، فَقَالَ كَيْفَ وَجَدْتِ مَكَانكِ؟ قَالَتْ: مَا وَجَدْتُ رَاحَةً مُذْ كُنْتُ عِنْدَهُ إِلَّا هَذِهِ اللَّيَالِي الَّتِي حَبَسْتَنِي، فَقَالَ لِزَوْجِهَا: اخْتَلِعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا.

وَهَذِهِ قَضِيَّةُ إِمَامَيْنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخُلْعِ لَمْ يُخَالِفْها فِيه مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ، فَدَلَّ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الْبُضْعَ بِعِوَضٍ، جَازَ أَنْ يُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، فَيَكُونُ عَقْدُ النِّكَاحِ كَالشِّرَاءِ وَالْخُلْعُ كالبيع.

[(مسألة:)]

قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَانِعَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ الْمُفْتَدِيَةُ تَخْرُجُ مِنْ أَن لا تُؤَدِّيَ حَقَّهُ أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ فَتَحِلُّ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَالِ الَّتِي تَشْتَبِهُ فِيهَا حَالُ الزَّوْجَيْنِ خَوْفَ الشِّقَاقِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الْخُلْعِ أَنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَنْ سَبَبٍ يَدْعُو إِلَيْهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِ سَبَبٍ.

فَإِنْ كَانَ عَنْ سَبَبٍ يَدْعُو إِلَيْهِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ وَفَاسِدٍ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمُبَاحُ فَيَكُونُ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ: إِمَّا لِكَرَاهَةٍ وَإِمَّا لِعَجْزٍ.

فَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَهُوَ أَنْ تَكْرَهَ مِنْهُ إِمَّا سُوءَ خُلُقِهِ، وَإِمَّا سُوءَ فِعْلِهِ وَإِمَّا قِلَّةَ دِينِهِ وَإِمَّا قُبْحَ مَنْظَرِهِ وَهُوَ مُقِيمٌ بِحَقِّهَا، فَتَرَى لِكَرَاهَتِهَا لَهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ نَفْسَهَا فَتُخَالِعُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُبَاحًا. وَأَمَّا الْعَجْزُ فَيَكُونُ تَارَةً لِعَجْزِهِ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ أَوِ الْمَالِ، وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنْ كَثْرَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَتُخَالِعُهُ لِأَجْلِ الْعَجْزِ فَيَكُونُ الْخُلْعُ مُبَاحًا.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَيَكُونُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: تَارَةً مِنْ جِهَتِهَا وَتَارَةً مِنْ جِهَتِهِ، فَأَمَّا الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا فَهُوَ أَنْ تَمِيلَ إِلَى غَيْرِهِ وَتَرْغَبَ فِي نِكَاحِهِ فَتُخَالِعَ هَذَا لِتَنْكِحَ مَنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَغِبَتْ فِيهِ فَهَذَا خُلْعٌ مَكْرُوهٌ لِمَا رَوَاهُ ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>