للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِيُكْمِلَ بِهِ عَدَدَ الطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمَ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ أَحْوَالِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ كَالطَّلَاقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ إِذَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الثَّلَاثَ بِطَلَاقِهِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّ هَذَا اللِّعَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْفُرْقَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي التَّحْرِيمِ، وَلَوْ أَثَّرَ لَكَانَ تَأْثِيرٌ فِي تَحْرِيمِ التَّأْبِيدِ أَوْلَى.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ في حال نكاحها بزنا نسبة إلى أنه كان منها قبل نكاحها، فَقَالَ: زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ لِعَانِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: بِنَاءً على خلافهم في جواز لعانه بَعْدَ الْفُرْقَةِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِلَى جَوَازِ لِعَانِهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لِذَلِكَ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ اللِّعَانِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الزِّنَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَلِذَلِكَ جَوَّزَ اللِّعَانَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ بِاللِّعَانِ حَالَ الزِّنَا دُونَ الْقَذْفِ، وَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ حَالَ الْقَذْفِ دُونَ الزِّنَا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] فَجَازَ أَنْ يَلْتَعِنَ كُلُّ قَاذِفٍ لِزَوْجَتِهِ، وَلِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِزَوْجَتِهِ فَجَازَ لِعَانُهُ كَالزِّنَا فِي الزَّوْجِيَّةِ، قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُلَاعِنَ مِنَ الزِّنَا الْحَادِثِ فِي نِكَاحِهِ لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِهِ وَلَدُ الزِّنَا جَازَ فِي الزِّنَا الْمُتَقَدِّمِ أَنْ يُلَاعِنَ لِهَذَا الْمَعْنَى.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ، وَهَذَا فِي الزِّنَا الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ أَجْنَبِيَّةٌ فَحُدَّ وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَلِأَنَّهُ قَذْفٌ بِزِنًا هِيَ فِيهِ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا، وَلِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزِّنَا لَا بِحَالِ الْقَذْفِ. أَلَا تَرَى لَوْ قَالَ لِمُعْتَقٍ: زَنَيْتَ قَبْلَ عِتْقِكَ، وَلِبَالِغٍ: زَنَيْتَ قَبْلَ بُلُوغِكَ، وَلِمُسْلِمٍ: زَنَيْتَ قَبْلَ إِسْلَامِكَ، لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الزِّنَا دُونَ حَالِ الْقَذْفِ، وَكَذَلِكَ فِي اللِّعَانِ بِالْقَذْفِ فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِحَالِ الزِّنَا دُونَ الْقَذْفِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَاذِفٌ بِالزِّنَا لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، فَالْمَعْنَى فِي الزَّوْجَةِ ضَرُورَتُهُ إِلَى قَذْفِهَا لِرَفْعِ الْمَعَرَّةِ، وَنَفْيِ النَّسَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذِهِ، لِأَنَّهُ لَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَدْ يَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا مِنَ الزِّنَا الْمُتَقَدِّمِ إِذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ عَقْدِهِ فَاضْطُرَّ إِلَى قَذْفِهَا وَالْتِعَانِهِ مِنْهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ الْتِعَانِهِ مِنْهَا إِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ حِينَئِذٍ لِلضَّرُورَةِ أَنْ يُلَاعِنَ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>