[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (ولا تجوز على العرض حَتَّى يَكُونَ مَوْصُوفًا كَالسَّلَمِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الكناية عَلَى الْأَعْيَانِ الْحَاضِرَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَصِحَّ فِي كِتَابَتِهِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ بِمَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو مَا يُكَاتِبُهُ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا.
فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَازَ إِذَا كَانَ لَهَا نَقْدٌ غَالِبٌ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَيْهَا بِالْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ لِيَحْمِلَا فِيهَا عَلَى الْعُرْفِ فِي اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ غَالَبَ، فَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِوَصْفِهَا، فَإِنْ أُطْلِقَتْ بَطَلَتْ، كَالْأَثْمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَثْمَانِ فَإِنْ كَانَ مَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا، صَحَّتِ الْمُكَاتَبَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا، كَالَّذِي لَا تُضْبَطُ صِفَتُهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ لَمْ تَصِحِّ الْمُكَاتَبَةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصِفَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَمَا يَصِفُهُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ فَإِنْ أَخَلَّ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ لِدُخُولِ الْجَهَالَةِ عَلَيْهِ. وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ اعْتِبَارَ الصِّفَةِ، وَخَالَفَ بَيْنَ الْكِتَابَةِ فِيهَا وَالسَّلَمِ، وَجَوَّزَ الْمُكَاتَبَةَ عَلَى الْحَيَوَانِ وَلَمْ يُجَوِّزْ فِيهِ السَّلَمَ وَهِيَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ، فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّفَةِ وَنَفْيِ الْجَهَالَةِ، لِأَنَّ الْغَرَرَ وَإِنْ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ فَالْعِوَضُ فِيهِ مُعْتَبَرٌ بِالسَّلَمِ وَالْأَثْمَانِ فِي نَفْيِ الْجَهَالَةِ عَنْهُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ بَعْدَ الشَّهْرِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْكِتَابَةُ تَجُوزُ عَلَى الْمَنَافِعِ كَمَا تَجُوزُ عَلَى الْأَعْيَانِ لِجَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ جَازَ الصَّدَاقُ بِهَا، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْكِتَابَةِ فَقَالَ: قَدْ كَاتَبْتُكَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ بَعْدَ الشَّهْرِ وَوَصَفَ الْخِدْمَةَ بِمَا تُوصَفُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ انْقِضَاءِ شَهْرِ الْخِدْمَةِ، وَبَيْنَ مَحَلِّ الدَّيْنَارِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَلَوْ بِيَوْمٍ، فَيَجْعَلَهُ مُسْتَحِقًّا بَعْدَ انْقِضَاءِ يَوْمٍ مِنْ دخول الشهر الثاني، فتصبح هَذِهِ الْكِتَابَةُ، لِأَنَّهَا عَلَى نَجْمَيْنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ، وَتَغَايُرُ أَجْنَاسِ الْعِوَضِ فِي الْعَقْدِ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْهَا تَغَايُرُ أَجْنَاسِ الْمُعَوَّضِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً، لِأَنَّهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى نَجْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَالٌّ وَهُوَ الْخِدْمَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute